الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1996 54 - حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن حميد، عن أنس بن مالك رضي الله [ ص: 222 ] عنه قال: حجم أبو طيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر له بصاع من تمر، وأمر أهله أن يخففوا من خراجه.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن المذكور فيه أن أبا طيبة حجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيطلق عليه أنه حجام.

                                                                                                                                                                                  ورجاله قد ذكروا غير مرة.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه أبو داود في البيوع أيضا عن القعنبي، وأبو طيبة بفتح الطاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة، قيل: اسمه دينار. وقيل: نافع. وقيل: ميسرة، وقال ابن الحذاء: عاش مائة وثلاثا وأربعين سنة، وهو مولى محيصة - بضم الميم وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبالصاد المهملة - ابن مسعود الأنصاري، وأهله هم بنو بياضة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "من خراجه" بفتح الخاء المعجمة، وهو ما يقرره السيد على عبده أن يؤديه إليه كل يوم.

                                                                                                                                                                                  وفيه دليل على جواز الحجامة، وجواز أخذ الأجرة عليها.

                                                                                                                                                                                  وفيه دليل على إباحة مقاطعة المولى عبده على خراج معلوم مياومة أو مشاهرة.

                                                                                                                                                                                  وفيه جواز وضع الضريبة عنه، والتخفيف عليه. وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأله: كم ضريبتك؟ فقال: ثلاثة آصع، فوضع عنه صاعا، وإنما أضيف الوضع إليه; لأنه كان هو الآمر به، وهذا رواه الطحاوي، فقال: حدثنا فهد قال: حدثنا أبو غسان قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سليمان بن قيس، عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا أبا طيبة، فحجمه، فسأله: كم ضريبتك؟ فقال: ثلاثة آصع، فوضع عنه صاعا". وأخرجه أبو يعلى في (مسنده) بإسناده إلى جابر ، ولفظه: قال: " بعث رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - إلى أبي طيبة، فحجمه " إلى آخره نحوه، وأبو بشر اسمه جعفر بن إياس اليشكري، وعلل بعضهم الحديث بأنه لم يسمع من سليمان بن قيس. وأخرج الطحاوي أيضا من حديث أبي جميلة، عن علي رضي الله تعالى عنه قال: "احتجم رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - وأعطى أجره" ولو كان به بأس لم يعطه. وأخرجه ابن أبي شيبة في (مصنفه)، وأبو جميلة اسمه ميسرة وثقه ابن حبان.

                                                                                                                                                                                  (فإن قلت): روى الطحاوي عن المزني، عن الشافعي، عن ابن أبي فديك، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، عن ابن شهاب، عن حرام بن سعد بن محيصة - أحد بني حارثة - عن أبيه " أنه سأل رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - عن كسب الحجام، فنهاه أن يأكل من كسبه، ثم عاد فنهاه، ثم عاد فنهاه، فلم يزل يراجعه، حتى قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اعلف كسبه ناضحك، وأطعمه رقيقك".

                                                                                                                                                                                  (قلت): في إباحته - صلى الله تعالى عليه وسلم - أن يطعمه الرقيق والناضح - دليل على أنه ليس بحرام، ألا ترى أن المال الحرام الذي لا يحل للرجل لا يحل له أيضا أن يطعمه رقيقه ولا ناضحه; لأن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - قد قال في الرقيق: "أطعموهم مما تأكلون" فلما ثبت إباحة النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - لمحيصة أن يعلف ذلك ناضحه ويطعم رقيقه من كسب حجامه، دل ذلك على نسخ ما تقدم من نهيه عن ذلك، وثبت حل ذلك له ولغيره، قاله الطحاوي، ثم قال: وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية