الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2036 93 - حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي [ ص: 265 ] الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع حبل الحبلة.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للجزء الثاني للترجمة ظاهرة، بل هي جزء من الحديث، والحديث أخرجه أبو داود في البيوع أيضا، عن القعنبي، عن مالك، وأخرجه النسائي فيه، عن محمد بن سلمة والحارث بن مسكين، كلاهما عن ابن القاسم، عن مالك، وليس التفسير في حديث القعنبي.

                                                                                                                                                                                  قوله: "حبل الحبلة" بفتح الباء الموحدة فيهما وحكى النووي إسكان الباء في الأول، وهو غلط، والصواب الفتح، وحبل الحبلة أن تنتج الناقة ما في بطنها وينتج الذي في بطنها، فسر ذلك نافع، وذكر ابن السكيت وأبو عبيد أن الحبل مختص بالآدميات، وإنما يقال في غيرهن الحمل، قال ابن السكيت: إلا في حديث: "نهى عن بيع حبل الحبلة" وذلك أن تكون الإبل حوامل فيبيع حبل ذلك الحبل، وفي المحكم: كل ذات ظفر حبلى، قال الشاعر.


                                                                                                                                                                                  أو ذيخة حبلى مجح مقرب

                                                                                                                                                                                  .

                                                                                                                                                                                  (قلت): الذيخ بكسر الذال المعجمة وسكون الياء آخر الحروف ذكر الضباع، والأنثى ذيخة.

                                                                                                                                                                                  قوله: مجح بضم الميم وكسر الجيم وفي آخره حاء مهملة مشددة، قال أبو زيد: قيس كلها تقول لكل سبعة إذا حملت فأقربت وعظم بطنها قد أجحت فهي مجح، والمقرب بكسر الراء إذا قربت ولادتها، وقال ابن دريد: يقال لكل أنثى من الإنس وغيرهم: حبلت، وكذا ذكره الهروي والأخفش في نوادرهما، وفي الجامع: امرأة حبلى وسنور حبلى، وأنشد:


                                                                                                                                                                                  إن في دارنا ثلاث حبالى فوددنا لو قد وضعن جميعا
                                                                                                                                                                                  جارتي ثم هرتي ثم شاتي فإذا ما وضعن كن ربيعا
                                                                                                                                                                                  جارتي للمخيض والهر للفار وشاتي إذا اشتهيت مجيعا



                                                                                                                                                                                  وحكاه في الموعب عن صاحب العين والكسائي، وهذا يرد قول النووي: "اتفق أهل اللغة أن الحبل مختص بالآدميات" وفي الغريبين أن الحبل يراد به ما في بطون النوق، أدخلت فيها الهاء للمبالغة كما تقول نكحة وسخرة، وقال صاحب مجمع الغرائب: ليس الهاء في الحبلة على قياس نكحة، ولا مبالغة هاهنا في المعنى، ولعل الهروي طلب لزيادة الهاء وجها فأطلق ذلك من غير تثبت، وفي المغرب: حبل الحبلة مصدر حبلت المرأة، وإنما أدخلت التاء لإشعار الأنوثة; لأن معناه أن يبيع ما سوف تحمله الجنين إن كان أنثى، وقال بعضهم: الحبلة جمع حابل مثل ظلمة وظالم وكتبة وكاتب والهاء للمبالغة.

                                                                                                                                                                                  (قلت): ليس كذلك، وقد قال ابن الأثير: الحبلة بالتحريك مصدر سمي به المحمول كما سمي بالحمل، وإنما دخلت عليه التاء للإشعار بمعنى الأنوثة فيه، فالحبل الأول يراد به ما في بطون النوق من الحمل والثاني حبل الذي في بطون النوق.

                                                                                                                                                                                  (ويستفاد منه) أنه من بيع الغرر فلا يجوز، قال النووي: النهي عن بيع الغرر أصل من أصول البيع فيدخل تحته مسائل كثيرة جدا.

                                                                                                                                                                                  (قلت): وقد ذكرنا أنواعا من ذلك عن قريب، قال: ومن بيوع الغرر ما اعتاده الناس من الاستجرار من الأسواق بالأوراق مثلا، فإنه لا يصح; لأن الثمن ليس حاضرا فيكون من المعاطاة ولم توجد صيغة يصح بها العقد.

                                                                                                                                                                                  (قلت): هذا الذي ذكره لا يعمل به; لأن فيه مشقة كثيرة على الناس، وحضور الثمن ليس بشرط لصحة العقد، وبيع المعاطاة صحيح، وجميع الناس اليوم في الأسواق بالمعاطاة، يأتي رجل إلى بايع فيشتري منه جملة قماش بثمن معين فيدفع الثمن ويأخذ المبيع من غير أن يوجد لفظ بعت واشتريت، فإذا حكمنا بفساد هذا العقد يحصل فساد كثير في معاملات الناس، وروى الطبري عن ابن سيرين بإسناد صحيح قال: لا أعلم ببيع الغرر بأسا وقال ابن بطال: لعله لم يبلغه النهي وإلا فكل ما يمكن أن يوجد وأن لا يوجد لم يصح، وكذلك إذا كان لا يصح غالبا، فإن كان يصح غالبا كالثمرة في أول بدو صلاحها أو كان يسيرا تبعا كالحمل مع الحامل جاز لقلة الغرر، ولعل هذا هو الذي أراد ابن سيرين، لكن يمنع من ذلك ما رواه ابن المنذر عنه أنه قال: لا بأس ببيع العبد الآبق إذا كان علمهما فيه واحدا، فهذا يدل على أنه بيع الغرر إن سلم في المآل.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية