الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2043 100 - حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تلقوا الركبان، ولا يبيع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبيع حاضر لباد، ولا تصروا الغنم، ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحتلبها، إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة أوضح ما يكون.

                                                                                                                                                                                  ورجاله قد ذكروا غير مرة، وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في البيوع أيضا، عن يحيى بن يحيى، وأخرجه أبو داود فيه، عن القعنبي، وأخرجه النسائي فيه، عن قتيبة، الكل عن مالك.

                                                                                                                                                                                  قوله: "لا تلقوا الركبان" بفتح القاف، وأصله: لا تتلقوا بتاءين فحذفت إحداهما، أي: لا تستقبلوا الذين يحملون المتاع إلى البلد للاشتراء منهم قبل قدوم البلد ومعرفة السعر، وقال ابن عبد البر: وأما قوله: "لا تلقوا الركبان" فقد روي هذا المعنى بألفاظ مختلفة، فرواه الأعرج عن أبي هريرة "لا تلقوا الركبان" وفي رواية ابن سيرين "لا تلقوا الجلب" وفي رواية أبي صالح وغيره نهى أن يتلقى السلع حتى يدخل الأسواق، وروى [ ص: 276 ] ابن عباس: لا تستقبلوا السوق ولا يتلقى بعضكم لبعض، والمعنى واحد، فحمله مالك على أنه لا يجوز أن يشتري أحد من الجلب السلع الهابطة إلى الأسواق، سواء هبطت من أطراف المصر أو من البوادي حتى يبلغ بالسلعة سوقها.

                                                                                                                                                                                  وقيل لمالك: أرأيت إن كان تلك على رأس ستة أميال فقال: لا بأس بذلك، والحيوان وغيره في ذلك سواء، وعن ابن القاسم: إذا تلقاها متلق واشتراها قبل أن يهبط بها إلى السوق، وقال ابن القاسم: يفرض، فإن نقصت عن ذلك الثمن لزمت المشتري، قال سحنون: وقال لي غير ابن القاسم: يفسخ البيع، وقال الليث: أكره تلقي السلع وشراءها في الطريق أو على بابك حتى تقف السلعة في سوقها، وسبب ذلك الرفق بأهل الأسواق؛ لئلا ينقطعوا بهم عما له جلسوا يبتغون من فضل الله تعالى، فنهوا عن ذلك; لأن في ذلك إفسادا عليهم، وقال الشافعي: رفقا بصاحب السلعة؛ لئلا يبخس في ثمن سلعته، وعند أبي حنيفة: من أجل الضرر، فإن لم يضر بالناس تلقي ذلك لضيق المعيشة وحاجتهم إلى تلك السلعة فلا بأس بذلك، وقال ابن حزم: لا يحل لأحد أن يتلقى الجلب، سواء خرج لذلك أو كان سائرا على طريق الجلاب، وسواء بعد موضع تلقيه أو قرب، ولو أنه عن السوق على ذراع فصاعدا، لا لأصحابه ولا لغير ذلك، أضر ذلك بالناس أو لم يضر، فمن تلقى جلبا أي شيء كان فإن الجالب بالخيار إذا دخل السوق متى ما دخله ولو بعد أعوام في إمضاء البيع أو رده.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ولا يبيع بعضكم على بيع بعض" إلى آخره، قد مر الكلام فيه فيما مضى مستوفى. والله تعالى أعلم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية