الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما الحال الثالثة : وهو أن يكون بعض عاقلته حضورا بمكة وبعضهم غيبا بالشام فهذا على ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون الأقربون نسبا حضورا بمكة والأبعدون نسبا غيبا بالشام فيفضها حاكم مكة على الأقربين بمكة ، فإن احتملوها خرج منها الأبعدون بالشام لاختصاص من حضر بقرب الدار وقرب النسب ، فإن عجزوا عنها كتب حاكم مكة بالباقي منها إلى حاكم الشام حتى يستوفيه من الأباعد .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يكون الأبعدون نسبا حضورا بمكة والأقربون نسبا غيبا بالشام ففيها قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنها تقضي على الأقربين نسبا بالشام لاختصاصها بالنسب الذي يستحق [ ص: 364 ] به الميراث ، والميراث مستحق بقرب النسب لا بقرب الدار ، كذلك تحمل العقل ، فعلى هذا يكتب بها حاكم مكة إلى حاكم الشام فإن وفوا بها وإلا فض حاكم مكة باقيها على من بعد نسبه من الحضور .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنها تفض على الحاضرين بمكة وإن كانوا أبعد نسبا : لأن محل العقل معتبر بالنصرة والذب عن القاتل ، ومن قربت داره أخص بالنصرة مع بعد نسبه ممن بعدت داره مع قرب نسبه فوجب أن يكون أخص بتحمل العقل فيفضها حاكم مكة عليهم ، فإن وفوا بها خرج منها من بالشام من الأقارب ، فإن عجزوا عنها فض باقيها على من بالشام منهم ، وكتب به حاكم مكة إلى حاكم الشام ليستوفيه ولو كان بعض الغائبين أقرب دارا من بعض مضى باقيها على أقربهم دارا مثل أن يكون بعضهم بالمدينة وبعضهم بالشام فيختص بتحمل باقيها أهل المدينة ، لأنها أقرب إلى مكة من الشام .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يتساوى أنساب من حضر بمكة ومن غاب بالشام فيكونوا كلهم أقارب أو أباعد ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تستوعب الدية جميعهم فتفض على من حضر وغاب حتى تستوفي جميعها .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكتفي بأحد الفريقين من الحضور أو الغيب ففيها ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                            أحدها : أنها تفض على الحاضرين والغائبين جميعا اعتبارا بالتساوي في النسب .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنها تفض على الحاضرين دون الغائبين إذا قيل : إن بعد الدار أولى في الإسقاط .

                                                                                                                                            والقول الثالث : أن الحاكم بالخيار في أن يفضها على الحاضرين دون الغائبين أو أن يفضها على الغائبين دون الحاضرين أو أن يفضها على بعض الحاضرين وبعض الغائبين إذا قيل : إن بعد الدار لا يؤثر وإن العدد إذا زاد فض على البعض ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية