الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : وكذلك لو رموا بالمنجنيق معا فرجع الحجر عليهم فقتل أحدهم فترفع حصته من جنايته ويغرم عاقلة الباقين باقي ديته .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال ، إذا جذب جماعة حجر منجنيق فأصابوا به رجلا فقتلوه فهو على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يقتلوا به رجلا من غيرهم ، فضمان نفسه على جميعهم ، ولهم في إصابته ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يقصدوا بحجر المنجنيق هدم جدار فيعترضه فيصيبه فهذا خطأ محض ، تجب الدية على عواقلهم مخففة بينهم بالسوية ، فإن كانوا عشرة تحمل عاقلة كل واحد منهم عشر ديته .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يقصدوا قتله بعينه فيتفقوا على اعتماده ، فهؤلاء عمد على جميعهم القود .

                                                                                                                                            فإن قال بعضهم : عمدت ، وقال بعضهم : لم أعمد اقتص من العامد ، ولزم من أنكر العمد دية الخطأ في ماله بعد إحلافه ، ولا تتحملها العاقلة عنه ، لأنه اعتراف إلا أن يصدقوه فيتحملوا عنه .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يقصدوا بحجر المنجنيق رمي جماعة ليقتلوا به أحدهم لا بعينه فهذه هي القتلة العمياء تكون عمد الخطأ ، لأنهم عمدوا الفعل فأخطئوا في تعيين النفس فلا قود فيه ، وتجب الدية على عواقلهم مغلظة .

                                                                                                                                            روى عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من قتل في عمياء رميا بحجر أو ضربا بعصا فعليه عقل الخطأ ، ومن قتل اعتباطا فهو قود لا يحال بينه وبين قاتله فمن حال بينهما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل .

                                                                                                                                            فالعمياء أن يرمي جماعة فيصيب أحدهم لا يعينه ، والاعتباط : أن يرمي أحدهم بعينه ، فإذا ثبت أن ديته على عواقل الجماعة فإنما يجب على عاقلة من جذب في الرمي دون من وضع الحجر في كفة المنجنيق ، ودون من يصيب المنجنيق ، لأن وقوع الحجر كان من الجذب ، فاقتضى أن تجب الدية على من تولاه ، ووضع الحجر يجري مجرى وضع السهم في وتر القوس ، فإن تولى الرمي غيره كان الضمان على الرامي دون واضع [ ص: 330 ] السهم ، وناصب المنجنيق يجري مجرى صانع القوس ، وأجراه بعض أصحابنا مجرى الممسك مع الذابح وبأنه أجرى فلا ضمان عليه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية