الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإن كان المصطدمان عبدين فماتا صار دمهما هدرا ، وسقطت قيمة كل واحد منهما ، لأن كل واحد منهما سقطت نصف قيمته بصدمته ووجب نصفها في رقبة الآخر لصدمته ، وسواء ماتا معا ، أو مات أحدهما بعد الآخر إذا لم يمكن بيع المتأخر منهما قبل موته ، وإن كان أحد المصطدمين حرا ، والآخر عبدا لم ينهدر من دم كل واحد منهما إلا النصف المختص بفعله ، لأن العبد إذا مات وجب على الحر نصف قيمته ، فانتقل العبد بعد موته إلى نصف قيمته فلم يبطل محل جنايته فوجب فيه نصف دية الحر ، وأن تكون نصف قيمة العبد على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : في مال الجاني .

                                                                                                                                            والثاني : على عاقلته .

                                                                                                                                            فإن قيل : إن نصف قيمة العبد في مال الجاني لا تتحمله عاقلته فقد وجب في مال الحر نصف قيمة العبد ، ووجب نصف دية الحر في المستحق من نصف قيمة العبد فصار من وجب عليه نصف القيمة هو الذي وجب له نصف الدية فيكون ذلك قصاصا ، ولا يخلو ذلك من ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يتساوى نصف قيمة العبد ونصف دية الحر فيقع الوفاء بالقصاص .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكون نصف قيمة العبد أكثر من نصف دية الحر ، فيرجع سيد العبد في تركة الحر بالفاضل من نصف قيمة عبده .

                                                                                                                                            والثالث : أن يكون نصف دية الحر أكثر من نصف قيمة العبد ، فيكون الفاضل من نصف الدية هدرا لبطلان محله .

                                                                                                                                            وإن قيل : إن نصف قيمة العبد على عاقلة الحر فإن كان عاقلة الحر هم ورثته فقد وجب عليهم نصف قيمة العبد ووجب لهم نصف دية الحر ، فيكون ذلك قصاصا ، فإن فضل للسيد من نصف قيمة العبد فضل أخذه من العاقلة ، وإن فضل من نصف الدية فضل كان هدرا ، وإن لم يكن العاقلة ورثة الحر وكانوا ورثة غيرهم وجب على العاقلة لسيد العبد نصف قيمته ، ووجب لورثة الحر في المستوفى من قيمة العبد نصف ديته ، ولا يكون قصاصا ، لأن من وجب له غير من وجب عليه ، فإن استوى نصف قيمة العبد ونصف دية الحر ففي كيفية القبض والأداء وجهان محتملان :

                                                                                                                                            [ ص: 328 ] أحدهما : يستوفي سيد العبد عن عاقلة الحر نصف القيمة ويؤديه إلى ورثة الحر في نصف الدية ليقبضها بحق ملكه ويدفعها بحق التزامه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن ينتقل الحق إلى ورثة الحر ، وليس لسيد العبد أن يقبضه ، لأنه مستحق ، وربما تلف بين قبضه وإقباضه فتلف على مستحقه ، فصار ما استحقه السيد من نصف القيمة منتقلا إلى ورثة الحر بما استحقوه من نصف الدية وإن كان نصف قيمة العبد أكثر من نصف الدية أخذ سيده الفاضل من نصف قيمته بعد أن يستوفي ورثة الحر نصف ديته ، وإن كان نصف الدية أكثر من نصف قيمة العبد كان الفاضل ونصف الدية هدرا ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية