الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت أن ديتها في النفس على النصف من دية الرجل فقد اختلف الفقهاء في دية أطرافها وجراحها على النصف من دية الرجل فيما قل أو كثر .

                                                                                                                                            وبه قال علي بن أبي طالب - عليه السلام - وهو قول أبي حنيفة في أهل الكوفة ، وعبيد الله بن الحسن العنبري في أهل البصرة ، والليث بن سعد في أهل مصر .

                                                                                                                                            وقال ابن مسعود وشريح : المرأة تعاقل الرجل إلى نصف عشر ديته أي تساويه في الدية إلى نصف عشرها وهو دية السن والموضحة ثم تكون على النصف من الرجل فيما زاد عليه .

                                                                                                                                            وقال زيد بن ثابت ، وسليمان بن يسار : تعاقل الرجل إلى دية المنقلة وذلك عشر الدية ونصف عشرها ثم تكون على النصف فيما زاد .

                                                                                                                                            وقال مالك : تعاقله إلى ثلث الدية أرش المأمومة والجائفة ثم تكون على النصف منه فيما زاد .

                                                                                                                                            وبه قال من الصحابة عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

                                                                                                                                            ومن التابعين سعيد بن المسيب والزهري .

                                                                                                                                            ومن الفقهاء أحمد وإسحاق وقد ذكره الشافعي في القديم فمن أصحابه من جعله مذهبا له في القديم ومن أصحابنا من جعله حكاية عن مذهب غيره .

                                                                                                                                            قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن : سألت سعيد بن المسيب كم في إصبع المرأة ؟

                                                                                                                                            قال : عشر ، قلت : ففي إصبعين ؟ قال : عشرون .

                                                                                                                                            قلت : ففي ثلاث ؟ قال : ثلاثون ، قلت : ففي أربع ؟ قال : عشرون فقلت له : لما عظمت مصيبتها قل عقلها ، قال : هكذا السنة يا ابن أخي .

                                                                                                                                            واستدل من ذهب إلى هذا برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث ديتها ولعل سعيد بن المسيب أشار [ ص: 291 ] بقوله " هكذا السنة " إلى هذه الرواية ، ولأن المرأة لما ساوت الرجل في الميراث إلى المقدر بالثلث وهو ميراث ولد الأم الذي يستوي فيه الذكر والإناث وكانت على النصف من الرجل فيما زاد على الثلث وجب أن تساويه في الدية إلى الثلث وتكون على النصف فيما زاد .

                                                                                                                                            ودليلنا هو أن نقص الأنوثة لما منع من مساواة الرجل في دية النفس كان أولى أن يمنع من مساواته فيما دونها من ديات الأطراف والجراح ، لأن دية النفس أغلظ اعتبارا بالمسلم مع الكافر ، ولأنه لما كان القصاص فيما دون النفس معتبرا بالقصاص في النفس وجب أن تكون الدية فيما دون النفس معتبرة بدية النفس وهي فيه على النصف فكذلك فيما دونها .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن حديث عمرو بن شعيب فلم يسنده ، لأن جده محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص لا صحبة له ، وإنما يكون مسندا إذا رواه عن جده عبد الله بن عمرو ، ولأنه هو الصحابي ، وقد قال الشافعي : لم أجد له نفاذا يعني طريقا لصحبته .

                                                                                                                                            وأما الميراث فقد تكون فيه على النصف من الرجل فيما نقص من الثلث عند مقاسمة الإخوة ، وإنما ساوت ولد الأم ، لأن الإدلاء فيه بالرحم الذي يوجب تساوي الذكور والإناث فيه كفرض الأبوين ، فإن تكن العلة فيه تقديره بالثلث فلم يجز أن يحصل اختلاف والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية