الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : فإن نقصت إحداهما عن الأخرى اختبرته بأن أعصب عينه العليلة وأطلق الصحيحة وأنصب له شخصا على ربوة أو مستوى فإذا أثبته بعدته حتى ينتهي بصرها ثم أذرع بينهما وأعطيه على قدر ما نقصت عن الصحيحة .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها : أن يجني على إحدى عينيه فيذهب ببعض بصرها ، فيمكن أن يختبر قدر الذاهب منها بما وصفه الشافعي من تعصيب عينه العليلة وإطلاق الصحيحة ، ونصب شخص له من بعد على ربوة مرتفعة أو في أرض مستوية ، فإذا رأى الشخص بوعد منه حتى ينتهي إلى أبعد مدى رؤيته الذي لا يراه بعدها ، واختبر صدقه في مدى الرؤية بالصحيحة بأن يعاد الشخص من جهات شتى ، ولو ضم إلى الشخص بعد مدى رؤيته شخص آخر يختبر به صدقه وهو لا يعلم به كان أحوط ، لأن قصده بعد مدى البصر بالعين الصحيحة ، فإذا أوثق بما قاله من هذا الاختبار الذي لم يختلف مدى البصر فيه باختلاف الجهات واختلاف الأشخاص مسح قدر المسافة ، فإذا كانت ألف ذراع علم أنه قدر مدى بصره مع الصحيحة ، وإن اختلف عمل على الأقل احتياطا ثم أطلقت العليلة الصحيحة ، فإن رأى الشخص من مداه علم أنه لم يذهب من بصر العليلة شيء ، وإن لم يره قرب منه حتى ينتهي إلى حد يراه ، وغرضه في هذا تقليل هدف بصره بالعليلة كما كان غرضه تبعيد مدى بصره بالصحيحة ليكون نقصان ما بين البصرين أكثر فيكون أكثر فيما تستحقه من الدية ، فيستظهر عليه بإعادة الشخص من جهات ، ويحتسب بأكثر مما قاله من مدى بصره بالعليلة كما احتسب بأقل ما قاله من مدى بصره بالصحيحة حتى يكون أقل لما يستحقه ليشك فيما زاد عليه بالتصنع له ، [ ص: 254 ] وينظر قدر مسافة العليلة ، فإن كان خمسمائة ذراع من ألف كان الذاهب من بصرها النصف ، فيؤخذ بربع الدية ، لأنه نصف دية إحدى العينين ، وإن كان مائة ذراع من ألف كان الذاهب من بصرها تسعة أعشار ، فيؤخذ بتسعة أعشار نصف الدية ، وعلى هذه العبرة فيما زاد ونقص ، فإن سأل الجاني إحلافه على ما ذكره من المسافة أحلف له ، ولا قصاص في هذا ، لأن الاستيفاء لقدر ما ذهب من البصر من غير زيادة ولا نقصان غير ممكن فسقط القصاص فيه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية