الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإذا زال عقله بجناية مباشرة فلم يخل حالها من أن يوجب غرما سوى دية العقل أو لا يوجب ، فإن لم يوجب سوى دية العقل غرما كاللطمة واللكمة وما لا يؤثر من الخشب والمثقل في الجسد غير الألم فتستقر بها دية العقل ، ويكون ما عداه من ألم الضرب هدرا ، وهل يعزر به أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يعزر لإيجابه دية العقل ، وغرمها أغلظ من التعزير .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يعزر ، لأن غرم الدية في غير محل الألم ، فوجب أن لا يخلو من تعزير إذا خلا من غرم .

                                                                                                                                            وإن أوجبت الجناية غرما سوى دية العقل من مقدر أو غير مقدر ففيه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : وبه قال في القديم وهو مذهب أبي حنيفة : أنه إن كان ما وجب بالجناية أقل من دية العقل كالموضحة والمأمومة ، أو قطع إحدى الأذنين - دخل ذلك في دية العقل ، ولم يجب عليه أكثر منها ، وإن كان موجبا من الدية ، لقطع الأذنين وجدع الأنف ، دخلت فيه دية العقل وأخذ بدية الأذنين والأنف ليكون الأقل داخلا في الأكثر ، استدلالا بأن زوال العقل مسقط للتكليف فأشبه الموت .

                                                                                                                                            والقول الثاني : قاله في الجديد وهو الأصح : أن دية العقل لا تسقط بما عداها ، ولا يسقط بها ما عداها ، سواء كان ما وجب بالجناية أقل من دية العقل كالمأمومة ، فيجب عليه ثلث الدية في المأمومة وجميع الدية في العقل ، أو كان ما وجب بالجناية أكثر من دية العقل كالأذنين والأنف ، فيجب عليه ثلاث ديات واحدة في العقل ، وثانية في الأذنين ، وثالثة في الأنف ، لرواية أبي المهلب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه [ ص: 249 ] قضى على رجل رمى رجلا بخنجر في رأسه فأذهب عقله وسمعه ولسانه وذكره بأربع ديات ، ولأن ما اختلف محله لا يتداخل فيما دون النفس كالأطراف ، ولأن العقل عرض يختص بمحل مخصوص فلم يتداخل فيه أرش الجنايات كالسمع والبصر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية