الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : والسمع لا يرى فيرى ذهابه ، فلم يكن للبينة فيه مدخل مع التنازع ، ولكن [ ص: 245 ] له أمارات تدل عليه يعلم بها وجوده من عدمه ، فإذا ادعى المجني عليه ذهاب سمعه فللجاني حالتان : تصديق ، وتكذيب .

                                                                                                                                            فإن صدقه على ذهاب سمعه لم يحتج إلى الاستظهار بالأمارات ، وسأل عنه عدول الطب هل يجوز أن يعود أم لا ؟ فإن نفوا عوده حكم له بالدية دون القصاص لتعذر استيفائه وإن جوزوا عوده إلى مدة قدروها وجب الانتظار بالدية إلى انقضاء تلك المدة ، فإن عاد السمع فيها سقطت الدية ، وإن لم يعد حتى انقضت استقر بها ذهاب السمع ، واستحق بها دفع الدية ، وإن كذب الجاني على ذهاب السمع اعتبر صدق المجني عليه ، لتعذر البينة ففيه بالأمارات الدالة عليه ، وذلك بأن يتغفل ثم يصاح به بأزعج صوت وأهوله يتضمن إنذارا أو تحذيرا ، فإن أزعج به والتفت لأجله ، أو أجاب عنه دل على بقاء سمعه ، فصار الظاهر مع الجاني ، فيكون القول فيه قول الجاني مع يمينه بالله أن سمعه لباق ما ذهب من جنايته ، ولو اقتصر في يمينه على أنه باقي السمع أجزأ ، ولو اقتصر على أن سمعه ما ذهب بجنايته لم يجزه ، لأن الحلف على ذهاب السمع وبقائه لا ذهابه بجناية غيره ، وإنما حلف الجاني مع ظهور الأمارة في جنايته لجواز أن يكون إزعاج المجني عليه بالصوت بالاتفاق ، وإن كان المجني عليه عند سماع الأصوات المزعجة في أوقات غفلاته غير منزعج بها دل ذلك على ذهاب سمعه ، فصار الظاهر معه ، فيكون القول قوله مع يمينه في ذهاب سمعه من جنايته ، فإن لم يقل من جنايته لم يحكم له بالدية لجواز ذهابه بغير جنايته ، ولزمه اليمين مع وجود الأمارات في جنايته لجواز أن يتصنع لها بذهابه وجلده ، ولا يقتصر بهذه الأصوات المزعجة على مرة واحدة لجواز التصنع ، ويكون ذلك من جهات وفي أوقات الخلوات حتى يتحقق زوال السمع بها ، فإن الطمع يظهر منها فيزول معه التصنع .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية