الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : وفي المأمومة ثلث النفس وهي التي تخرق إلى جلد الدماغ .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما المأمومة فهي الواصلة إلى أم الرأس ، وأم الرأس هي الغشاوة المحيطة بمخ الدماغ وتسمى الأمة .

                                                                                                                                            وأما الدامغة فهي التي خرقت غشاوة الدماغ حتى وصلت إلى مخه ، وفيها جميعا ثلث الدية لا تفضل دية الدامغة على دية المأمومة ، وإن كنت أرى أن يجب تفضيلها [ ص: 237 ] بزيادة حكومة في خرق غشاوة الدماغ ، لأنه وصف زائد على صفة المأمومة وإن لم يحك عن الشافعي .

                                                                                                                                            والدليل على أن المأمومة ثلث الدية حديثان :

                                                                                                                                            أحدهما : حديث عمر بن الخطاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : في الآمة ثلث الدية .

                                                                                                                                            والآخر : حديث عمرو بن حزم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في كتابه إلى أهل اليمن : وفي المأمومة ثلث الدية ولأنها واصلة إلى جوف فأشبهت الجائفة ، فلو أراد المجني عليه أن يقتص من الإيضاح سقط من ديتها إذا اقتص دية الموضحة خمسا من الإبل وأخذ بالباقي منها وهو ثمانية وعشرون بعيرا وثلث ، فلو شجه رجل موضحة وهشمه ثان بعد الإيضاح ونقله ثالث بعد الهشم وأمه رابع بعد التنقيل كان على الأول دية الموضحة خمسا من الإبل وعلى الثاني ما زاد عليها من دية الهاشمة وهي خمس من الإبل ، وعلى الثالث ما زاد عليها من دية المنقلة وهي خمس من الإبل ، وعلى الرابع ما زاد عليها من دية المأمومة وهي ثمانية عشر بعيرا وثلث ، فإن أريد القصاص اقتص من الأول الموضح دون من عداه ، وأخذ من كل واحد منهم ما يلزمه من دية جنايته ، ولو جرحه في وجنته من وجهه جراحة حرقت الجلد واللحم وهشمت العظم ونقلت العظم إلى أن وصلت إلى الأم أو كانت في إحدى الحصتين فخرقت كذلك حتى وصلت إلى الفم ففيها قولان حكاهما أبو حامد المروزي في " جامعه " .

                                                                                                                                            أحدهما : أنها مأمومة يجب فيها ثلث الدية ، ويكون وصولها إلى الفم كوصولها إلى الدماغ لأنها عملت عمل المأمومة .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنه يجب فيها دية منتقلة وزيادة حكومة في وصولها إلى الفم لا يبلغ بها دية المأمومة ، لأن وصول المأمومة إلى الدماغ أخوف على النفس من وصولها إلى الفم فلم يبلغ بدية ما قل خوفه دية ما هو أخوف .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية