الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت ما ذكرنا من حكم الموضحتين بالحاجز بينهما من قليل وكثير فانخرق الحاجز بينهما حتى اتصلت الموضحتان فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تنخرق بالسراية التي تآكل بها الحاجز حتى انخرق فتكون موضحة واحدة ، لأن ما حدث عن الجناية من سراية كان مضافا إليها والجاني مأخوذ بها .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن ينخرق الحاجز بقطع قاطع فلا يخلو حال قاطعه من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون هو الجاني يعود فيقطعه فتكون موضحة واحدة ، لأن أفعال الجاني يبنى بعضها على بعض ، ألا ترى أنه لو قطع يديه ورجليه ثم عاد فقتله لم يلزمه إلا دية واحدة ، ولو قتله غيره لزمه ديتان في اليدين والرجلين .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يقطعه المجني عليه فيلزم الجاني موضحتان ، لأن فعل المجني عليه لا يبنى على فعل الجاني كما لو قطع الجاني يديه ورجليه وقتل المجني عليه نفسه كان على الجاني ديتان في اليدين والرجلين .

                                                                                                                                            [ ص: 233 ] والقسم الثالث : أن يقطعه حتى ينخرق بجنايته الحاجز الذي بينهما فتكون ثلاث مواضع يلزم الأول منها موضحتان ، ويلزم الثاني موضحة واحدة ، لأن فعل أحدهما لا يبنى على فعل الآخر ، وفعل كل واحد منهما مضمون ، كما لو قطع الأول يديه ورجليه وقتله الثاني ، كان على الأول ديتان في اليدين والرجلين ، وعلى الثاني دية النفس ، فلو اختلفا بعد زوال الحاجز الذي بينهما فقال الجاني : أنا قطعته أو انخرق بالسراية فليس علي إلا موضحة واحدة ، وقال المجني عليه : أنا قطعته أو قطعه أجنبي فعليك موضحتان - فالقول قول المجني عليه مع يمينه إذا عدم الجاني البينة ، لأننا على يقين من استحقاق الموضحتين بابتداء الجناية وفي شك من سقوط إحداهما ، فاعتبر حكم اليقين دون الشك ، كما لو قطع يديه ورجليه ثم مات المجني عليه فاختلف الجاني والولي ، فقال الولي : مات من غير جنايتك فعليك ديتان ، وقال الجاني : مات من جنايتي فعلي دية واحدة ، وأمكن ما قاله كل واحد منهما فالقول قول الولي مع يمينه ، وله ديتان لوجوبهما بابتداء الجناية .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية