الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : وإن قلع سن من قد أثغر سنه فإن كان المقلوع سنه لم يثغر فلا قود حتى يثغر فيتتام طرحة أسنانه ونباتها فإن لم ينبت ، وقال أهل العلم به لا ينبت أقدناه .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما القصاص في الأسنان فواجب بقوله تعالى : والسن بالسن [ المائدة : 45 ] .

                                                                                                                                            ولرواية أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : في السن القصاص ولأن فيها منفعة وجمالا فأشبهت سائر الأعضاء .

                                                                                                                                            فإن قيل : فالسن عظم والعظم لا قصاص فيه .

                                                                                                                                            قيل : السن لانفراده كالأعضاء المنفردة التي يجري القصاص فيها ، وغيره من العظام ممتزج ومستور بما يمنع من مماثلة القصاص فلم يجب فيه القصاص ، فإذا ثبت وجوب القصاص فيه لم يخل حال المجني عليه بقلع سنه من أحد أمرين :

                                                                                                                                            إما أن يكون قد ثغر أو لم يثغر ، والمثغور أن يطرح أسنان اللبن وينبت بعدهـا أسنان الكبر ، فإن كان مثغورا قد طرح أسنان اللبن ونبتت أسنان الكبر فقلعت سنه وجب القصاص فيها من مثلها من سن الجاني ، وأسنان الفم إذا تكاملت اثنان وثلاثون سنا ، منها أربع ثنايا ، وأربع رباعيات ، وأربعة أنياب ، وأربعة ضواحك ، واثني عشر ضرسا ، وهي الطواحن ، وأربعة نواجذ وهي أواخر أسنان الفم ، فتؤخذ الثنية بالثنية ، ولا تؤخذ ثنية برباعية ، ولا ناب بضاحك ، كما لا يؤخذ إبهام بخنصر ، وتؤخذ اليمنى باليمنى ولا تؤخذ يمنى بيسرى وتؤخذ العليا بالعليا ولا تؤخذ عليا بسفلى ، وتؤخذ السن الكبيرة بالصغيرة ، والقوية بالضعيفة ، كما تؤخذ اليد الصحيحة بالمريضة ، لأن [ ص: 189 ] الاعتبار بالاسم المطلق ، وإذا كان كذلك لم يخل حال السن المقلوعة بالجناية من أن تقلع من أصلها أو يكسر ما ظهر منها ، فإن قلعت من أصلها قلعت سن الجاني من أصلها الداخل في لحم العمور ومنابت الأسنان ، وإن كسر ما ظهر منها وبرز من لحم العمور كسر من سن الجاني ما ظهر منها وترك عليه ما ستره اللحم من أصلها ، فإن عفا عن القصاص إلى الدية كانت فيه دية السن خمسا من الإبل كما لو قلعها من أصلها ، لأن منفعتها وجمالها بالظاهر دون الباطن ، فإن عاد وقطع ما بطن من بقيتها كان فيه حكومة ، كمن قطع أصابع الكف وجب عليه دية كف ، فإن عاد فقطع بقية الكف كانت عليه حكومة ، ولو كان قد قطعها من أصل الكف لم يجب عليه أكثر من الدية ، ولو كسر نصف سنة بالطول ، فإن أمكن القصاص منها اقتص ، وإن تقدر كان عليه نصف ديتها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية