فصل : فإذا تقرر ما ذكرناه من هذه المقدمة فصورة مسألتنا في ، فعلى منصوص رجل شج رجلا موضحة فذهب منها ضوء عينيه وشعر رأسه الشافعي في وجوب القصاص في السراية إلى ضوء العين ، يقتص من موضحة الجاني ، فإن ذهب منها ضوء عينيه وشعر رأسه فقد استوفى المجني عليه حقه ، وإن لم يذهب منها ضوء عينيه ولا شعر رأسه أخذ منها حكومة في الشعر الزائد على موضع الموضحة ، لأن الشعر الذي في موضع الموضحة قد دخل في القصاص منها أو في أرش ديتهما ، ولا يعالج شعر حتى يذهب ولا يعود نباته ، لأنه قصاص في السراية إلى الشعر ، وقد كان القياس يقتضي أن يؤخذ من الجاني حكومة وإن لم ينبت شعر ، غير أن الشافعي جعله تبعا لخفة حكمه من أحكام الأعضاء ، فأما ضوء العين إذا لم يذهب بسراية القصاص فإن أمكن يعالج العين بما يذهب ضوءها من غير جناية على الحدقة مثل الكافور أو ميل يحمى بالنار ويقرب إلى العين من غير أن يذوب به شحمها اقتص منه بذلك ، وإن لم يمكن إلا بقلع الحدقة لم يجز قطعها لأحد أمرين :
أحدهما : أن الحدقة عضو لم يجن عليه فلم يقتص منه .
[ ص: 172 ] والثاني : أنه لا يجوز أن توضع حديدة القصاص في غير محلها من الجناية .
فإن قيل : أفليس لو سرت إلى نفسه ولم يسر القصاص إلى نفس الجاني .
قيل : ووضع حديد القصاص في غير موضعه من الجناية .
قيل : لأن القصاص في النفس يستهلك به جميع الجسد وفيما دون النفس لا يستهلك به إلا عضو الجناية وحده فافترقا ، وإذا تعذر القصاص في ضوء العين أخذ منه ديتها مع حكومة الشعر بعد القصاص من الموضحة ، ولو لم يقتص منها يضم إلى ذلك دية الموضحة .
فأما على القول الثاني الذي خرجه المروزي ، أنه لا قصاص في ذهاب ضوء العين بالسراية فيقتص من الموضحة ، ويؤخذ من الجاني دية في ذهاب ضوء العين ، وحكومة في ذهاب الشعر ، سواء سرى قصاص الموضحة إلى ذهاب ضوء عين الجاني وذهاب شعره أم لا ، كما قلنا في السراية إلى الكف بقطع الإصبع لما لم يجب فيه القصاص لم تكن سراية القصاص إلى الكف مسقطا لما وجب من أرش الكف ، فأما المزني فإنه جمع بين السراية في النفس في وجوب القصاص فيهما وهو الأصح .