الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : وتقطع اليد باليد والرجل بالرجل من المفاصل .

                                                                                                                                            قال الماوردي : قد ذكرنا وجوب القصاص في الأطراف كوجوبه في النفوس : لأن الأطراف مفاصل يمكن المماثلة بها ، فإذا قطع يده فله خمسة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يقطعها من مفصل الكوع ، فيقتص منها ، وإن اختلفا في الصغر والكبر ، والصحة والمرض ، إذا كانت سليمة من نقص أو شلل ، فيقتص من الكبيرة [ ص: 158 ] بالصغيرة ، ومن القوية بالضعيفة ، ومن ذات الصنعة والكتابة بغير ذات الصنعة والكتابة ، كما يجري مثله في النفوس ، ولا تؤخذ سليمة بشلاء ، ولا كاملة بناقصة على ما سنذكره بعد .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يقطعها من نصف الذراع فيقتص من كف القاطع ولا يقتص من نصف ذراعه لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : لأنه لا مفصل فيها فيستوفى وربما وقع التجاوز فيه .

                                                                                                                                            والثاني : أنه قد يتشظى العظم إذا قطع ولا يتماثل في القاطع والمقطوع .

                                                                                                                                            فإن قيل : قد وضعتم القطع في القصاص في غير موضع القطع من الجناية وليست هذه مماثلة ، قلنا : لما تعذرت المماثلة في موضع الجناية كان العدول إلى ما دونها إذا أمكنت لدخولها في الجناية ، فإذا اقتص من كف الجاني أخذت منه حكومة في نصف الذراع لا يبلغ بها دية الكف ، ولو عفا المقطوع عن القصاص أعطي نصف الدية في الكف وحكومة هي أقل منها في نصف الذراع .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يقطعها من مفصل المرفق فيقتص من جميعها ، ويقطع الجاني من مرفقه ، لأنه مفصل لا يمكن فيه المماثلة ، فإن عدل إلى الدية أعطي نصف الدية في كف وحكومة في الذراع ، ولو طلب القصاص من الكف وأرشا في الذراع في المرفق لم يجز بخلاف المقطوع من نصف الذراع ، لأنه إذا أمكن في القصاص وضع السكين في محلها لم يجز أن يعدل بها عن محلها .

                                                                                                                                            والحال الرابعة : أن يقطع يده من المنكب فيقتص منها في المنكب ، لأنه مفصل ، فإن طلب القصاص من الكف أو المرفق وحكومة في الزيادة لم يجز لما ذكرنا ، وإن عفا عن القود إلى الدية أعطي نصف الدية في الكف وحكومة في الذراع ، والعضد يكون أقل من نصف الدية ، فلو كان قد أجافه حين قطع يده من الكف ، لم يقتص من الجائفة ، وأعطي أرشها ثلث الدية بعد الاقتصاص من المنكب .

                                                                                                                                            والحال الخامسة : أن يقطع يده من نصف العضد فيجب بالقصاص من المرفق لإمكانه فيه وتعذره في نصف العضد كما قلنا في قطعها من نصف الذراع ، فإن طلب القصاص من الكف وأخذ حكومة في الزيادة أجيب ، ويكون في القصاص مخيرا بين أن يقتص من المرفق ، لأنه أقرب إلى محل الجناية وبين أن يقتص من الكف للفرق بينهما بأن ما أمكن وضع السكين في القصاص في موضعها لأنه أقل وخالف الجناية من [ ص: 159 ] الجناية لم يجز العدول عنه ، وإذا لم يمكن جاز وضعها فيما قرب منها ، وإذا جاز وضعها في الأكثر جاز وضعها في الأقل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية