الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر ما يعتبر في الاقتصاص فيها لم يخل حالها من أن تكون في بعض الرأس أو في جميعه .

                                                                                                                                            فإن كانت في بعضه اقتص بقدرها في محلها من رأس الشاج ، وإن كانت في جميعه قد أخذت طولا ما بين الجبهة والقفا ، وأخذت عرضا ما بين الأذنين ، لم يخل رأس الشاج والمشجوج من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يتماثل رأساهما في الطول والعرض ، فاستيعاب القصاص ممكن ، فإذا كانت طولا ما بين الجبهة والقفا اقتص من الشاج طول رأسه من جبهته إلى قفاه ، واختلف أصحابنا في هذا القصاص على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه يبدأ به من الموضع الذي بدأ به الجاني ، إما من ناحية الجبهة أو القفا ليماثل في الابتداء كما يماثل في الاستيفاء ، فإن أشكل رجع إلى الجاني دون المجني عليه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو أصح وبه قال جمهور أصحابنا : أن المستوفى له القصاص ، مخير في الابتداء بأي الموضعين شاء ، لأن له أن يقتص من بعضها في أي الموضعين شاء .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يكون رأس المشجوج أصغر من رأس الشاج ، فيستوفى بمقدارها من رأس الشاج ، ويترك له باقي رأسه بعد استيفاء مقدار رأس المشجوج .

                                                                                                                                            مثاله : أن يكون طول رأس الشاج عشرين إصبعا ، وطول رأس المشجوج خمسة عشر إصبعا ، فيقتص من رأس الشاج قدر خمسة عشر إصبعا ويبقى من رأسه مقدار خمس أصابع لا قصاص عليه فيها ، لفضلها بعد استيفاء القصاص ، ويكون محل هذا المتروك بناء على ما قدمناه من الوجهين في الابتداء بموضع القصاص .

                                                                                                                                            فإن قيل بالوجه الأول إنه يبدأ في القصاص بالموضع بداية الجاني نظر ، فإن بدأ بمقدم الرأس كان المتروك من مؤخره ، وإن بدأ بمؤخره كان المتروك من مقدمه .

                                                                                                                                            وإن قيل : بالوجه الثاني الذي هو أصح : إن المقتص له مخير في الابتداء بأي الموضعين شاء كان بالخيار بين ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            [ ص: 153 ] إما أن يستوفي قصاصه من مقدم الرأس ، ويترك فاضله من مؤخره ، أو يستوفيه من مؤخره ، ويترك فاضله من مؤخره ، أو يستوفيه من مؤخره ، ويترك فاضله من مقدمه ، أو يستوفيه من وسطه ويترك فاضله من مقدمه ومؤخره ، فإن أراد أن يستوفيه من طرفيه ويترك فاضله من وسطه لم يجز ، لأنه إذا فصل بينهما صارتا موضحتين ، ولا يجوز أن يقتص من موضحة بموضحتين ، ويجيء على تخريج أبي علي بن أبي هريرة في دية هذا القاتل أن يجوز له ذلك ليجري على كل موضع من الجناية حكم الموضحة ، وليس بصحيح ، كما ذكرناه من التعليل .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يكون رأس المشجوج أكبر من رأس الشاج .

                                                                                                                                            مثاله : أن يكون طول رأس المشجوج عشرين إصبعا ، وطول رأس الشاج خمسة عشرة إصبعا ، فيستوعب في الاقتصاص طول رأس الشاج ، وقدره ثلاثة أرباع الموضحة ، فلا يستوفي الربع الباقي من الجبهة ولا من القفا ، ولا يخرج من الرأس ، لأن كل ذلك في غير محل القصاص ، كما لا يجوز أن يقتص في موضحة الوجه من الرأس ، ولا في موضحة الرأس من الوجه ، ويرجع على الجاني بقسط ذلك من أرش الموضحة وهو ربع أرشها ، لأن الباقي منها ربعها ، ولو كان الباقي منها ثلثها رجع بثلث أرشها ، وخرج أبو علي بن أبي هريرة احتمال وجه ثان ، أنه يرجع عن الباقي منها بجميع أرش الموضحة ، لأن أرش الموضحة يكمل فيما قل منها وكثر ، وهذا فاسد ، والفصل فيها أن اسم الموضحة ينطلق على صغيرها وكبيرها ، فاستوى الأرش في جميعها ، ولا ينطلق على الباقي من هذه الموضحة اسم الموضحة ، وإنما ينطلق عليه اسم بعضها فلم يستحق فيه إلا بعض أرشها ، وهكذا لو كانت موضحة المشجوج بين قرني رأسه ، وكان ما بين قرني رأس الشاج أضيق لم يجز أن يعدل بعد استيفاء ما بين القرنين إلى ما يجاوزهما . وإن كان من جملة الرأس ، لخروجه عن محل القصاص ورجع بقسطه من أرش الموضحة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية