الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما البالغ العاقل إذا شارك في القتل صغيرا أو مجنونا ، فإن كان قتل الصبي والمجنون على صفة الخطأ فلا قود على شريكه ، لأنه لو كان الخطأ من بالغ عاقل سقط به القود عن العامد ، فكان أولى أن يسقط به غير الصغير والمجنون ، وإن كان قتل الصغير والمجنون على صفة العمد ، فقد اختلف قول الشافعي في عمدهما هل يكون عمدا أو خطأ : على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي حنيفة أن عمدها خطأ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحتلم ولأنه لو كان عمدا لتعلق به القود والمأثم ، وبسقوطهما عنه يجري عليه حكم الخطأ ، فعلى هذا لا قود في العمد على البالغ العاقل إذا شاركهما ، وعليه نصف الدية حالة في ماله ، وعليهما نصف دية الخطأ مخففة على عواقلهما .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن عمدها عمد ، لأنهما قد يميزان مضارهما من منافعهما ، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جعل للصبي تمييزا في اختيار الأبوين ، وقدمه للصلاة إماما ، ولأنه لما كان عمده للأكل في الصيام عمدا وعمده للكلام في الصلاة عمدا وجب أن يكون عمده للقتل عمدا ، ولو جعل عمد الصبي عمدا وعمد المجنون خطأ لكان الفرق بينهما أشبه ، لأن العبادات تصح من الصبي ولا تصح من المجنون ، لكن القول في الجمع بينهما مطلق فأطلقناه مع الفرق الذي أراه ، فعلى هذا يجب على العامد إذا شاركهما في القتل القود بخروج النفس بعمد محض ، ولا قود عليهما ، لأن ما تعلق بالأبدان ساقط عنهما ، وعليهما نصف الدية مغلظة حالة من أموالهما ، لأن ما تعلق بالأموال واجب عليها ، فصار سقوط القود وعنهما على القول الأول لمعنى في فعلهما فلذلك سقط القود عمن شاركهما ، وسقوطه عنهما على القول الثاني معنى في أنفسهما ، فلذلك وجب القود على من شاركهما .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية