( وهو العلي العظيم ) علي في جلاله ، عظيم في سلطانه . وقال : الذي كمل في عظمته ، وقيل : العظيم المعظم ، كما يقال : العتيق في المعتق ; قال ابن عباس الأعشى :
وكأن الخمر العتيق من الإسـ فنط ممزوجة بماء زلال
وأنكر ذلك لانتفاء هذا الوصف قبل الخلق وبعد فنائهم ؛ إذ لا معظم له حينئذ ، فلا يجوز هذا القول . وقيل : والجواب أنها صفة فعل ، كالخلق والرزق ، فلا يلزم ما قالوه . وقيل : العلي الرفيع فوق خلقه ، المتعالي عن الأشباه والأنداد ، وقيل : العالي من : علا يعلو : ارتفع ، أي : العالي على خلقه بقدرته ، والعظيم ذو العظمة [ ص: 281 ] الذي كل شيء دونه ، فلا شيء أعظم منه . قال الماوردي : وفي الفرق بين العلي والعالي وجهان : أحدهما : أن العالي هو الموجود في محل العلو ، والعلي هو مستحق للعلو . الثاني : أن العالي هو الذي يجوز أن يشارك ، والعلي هو الذي لا يجوز أن يشارك ، فعلى هذا الوجه يجوز أن يوصف الله بالعلي لا بالعالي ، وعلى الأول يجوز أن يوصف بهما ، وقيل : العلي : القاهر الغالب للأشياء ، تقول العرب : علا فلان فلانا غلبه وقهره ; قال الشاعر :
فلما علونا واستوينا عليهم تركناهم صرعى لنسر وكاسر
ومنه ( إن فرعون علا في الأرض ) وقال : العلي الشأن العظيم الملك والقدرة ، انتهى . وقال قوم : العلي عن خلقه بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه . قال الزمخشري ابن عطية : وهذا قول جهلة مجسمين ، وكان الوجه أن لا يحكى . وقال أيضا : العلي يراد به علو القدر والمنزلة ، لا علو المكان ؛ لأن الله منزه عن التحيز ، انتهى .
قال : فإن قلت كيف ترتبت الجمل في آية الكرسي من غير حرف عطف ؟ قلت : ما منها جملة إلا وهي واردة على سبيل البيان لما ترتبت عليه ، والبيان متحد بالمبين ، فلو توسط بينهما عطف لكان كما تقول العرب : بين العصا ولحائها ، فالأولى : بيان لقيامه بتدبير الخلق وكونه مهيمنا عليه غير ساه عنه ; والثانية : لكونه مالكا لما يدبره . والثالثة : لكبرياء شأنه ، والرابعة : لإحاطته بأحوال الخلق وعلمه بالمرتضي منهم المستوجب للشفاعة وغير المرتضي . والخامسة : لسعة علمه وتعلقه بالمعلومات كلها ، أو بجلاله وعظيم قدره ، انتهى كلامه . الزمخشري