قد علم القدوس مولى القدس أن أبا العباس أولى نفس
في معدن الملك القديم الكرسي
[ ص: 280 ] وقيل : الكرسي العلم ؛ لأن موضع العالم هو الكرسي ، سميت صفة الشيء باسم مكانه على سبيل المجاز ، ومنه يقال للعلماء : كراسي ، لأنهم المعتمد عليهم ، كما يقال : أوتاد الأرض ، ومنه الكراسة ; وقال الشاعر :
تحف بهم بيض الوجوه وعصبة كراسي بالأحداث حين تنوب
أي : ترجع ، وقيل : الكرسي السر ; قال الشاعر :
ما لي بأمرك كرسي أكاتمه ولا بكرسي علم الله مخلوق
وقيل : الكرسي ملك من الملائكة يملأ السماوات والأرض . وقيل : قدرة الله . وقيل : تدبير الله ، حكاهما الماوردي ، وقال : هو الأصل المعتمد عليه . قال المغربي : من تكرس الشيء تراكب بعضه على بعض ، وأكرسته أنا ; قال العجاج :
يا صاح هل تعرف رسما مكرسا قال نعم أعرفه وأكرسا
وقال آخر :
نحن الكراسي لا تعد هوازن أمثالنا في النائبات ولا الأشد
وقال : وفي قوله : ( الزمخشري وسع كرسيه ) أربعة أوجه : أحدها : أن كرسيه لم يضق عن السماوات والأرض لبسطته وسعته ، وما هو إلا تصوير لعظمته وتخييل فقط ، ولا كرسي ثمة ، ولا قعود ، ولا قاعد ، لقوله : ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ) من غير تصور قبضة وطي ويمين ، وإنما هو تخييل لعظمة شأنه ، وتمثيل حسي . ألا ترى إلى قوله : ( وما قدروا الله حق قدره ) ؟ انتهى ما ذكره في هذا الوجه . واختار القفال معناه قال : المقصود من هذا الكلام تصوير عظمة الله تعالى وكبريائه وتعزيزه ، خاطب الخلق في تعريف ذاته بما اعتادوه في ملوكهم وعظمائهم . وقيل : كرسي لؤلؤ ، طول القائمة سبعمائة سنة ، وطول الكرسي حيث لا يعلمه العالمون . ذكره في تاريخه ، عن ابن عساكر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاله . قال علي بن أبي طالب ابن عطية : والذي تقتضيه الأحاديث أن الكرسي مخلوق عظيم بين يدي العرش ، والعرش أعظم منه ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس " . وقال أبو ذر : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت في فلاة من الأرض " . وهذه الآية منبئة عن ، انتهى كلامه . عظم مخلوقات الله