الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فهزموهم بإذن الله ) أي : فغلبوهم بتمكين الله . ( وقتل داود جالوت ) طول المفسرون في قصة كيفية قتل داود لجالوت ، ولم ينص الله على شيء من الكيفية ، وقد اختصر ذلك السجاوندي اختصارا يدل على المقصود ، فقال : كان أصغر بنيه ، يعني بني إيشا والد داود ، الثلاثة عشر . وكان مخلفا في الغنم ، وأوحي إلى نبيهم أن قاتل جالوت من استوت عليه من ولد إيشا درع عند طالوت ، فلم تستو إلا على داود ، وقيل : لما برز جالوت نادى طالوت : من قتل جالوت أشاطره ملكي وأزوجه بنتي ، فبرز داود ورماه بحجر في قذافة فنفذ من بين عينيه إلى قفاه وأصاب عسكره ، فقتل جماعة وانهزموا ، ثم ندم طالوت من شرطه بعد الوفاء ، وهم بقتل داود ، ومات تائبا قاله الضحاك . وقال وهب : ندم قبل الوفاء ومات عاصيا ، وقيل : أصاب داود موضع أنف جالوت ، وقيل : تفتت الحجر حتى أصاب كل من في العسكر شيء منه ، كالقبضة التي رمى بها رسول الله يوم حنين . وقال الزمخشري : كان أبو داود في عسكر طالوت مع ستة من بنيه ، وكان داود سابعهم وهو صغير يرعى الغنم ، فأوحي إلى شمويل أن داود بن إيشا يقتل جالوت ، فطلبه من أبيه ، فجاء وقد مر في طريقه بثلاثة أحجار دعاه كل واحد منها أن يحمله ، وقالت له : إنك تقتل بنا جالوت ، فحملها في مخلاته ، ورمى بها جالوت فقتله ، وزوجه طالوت بنته ، وروي أنه حسده وأراد قتله ، ثم تاب ، انتهى . وروي : أن داود كان من أرمى الناس بالمقلاع ، وروي : أن الأحجار التأمت في المخلاة فصارت حجرا واحدا . ( وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ) روي أن طالوت تخلى لداود عن الملك ، فصار الملك . [ ص: 269 ] وروي : أن بني إسرائيل غلبت طالوت على ذلك بسبب قتل داود جالوت ، وروي أن طالوت أخاف داود فهرب منه ، فكان في جبل إلى أن مات طالوت ، فملكته بنو إسرائيل ، قال الضحاك والكلبي : ملك داود بعد قتل جالوت سبع سنين ، فلم يجتمع بنو إسرائيل على ملك واحد إلا على داود . واختلف أكان داود نبيا عند قتل جالوت أم لا ؟ فقيل : كان نبيا ؛ لأن خوارق العادات لا تكون إلا من الأنبياء . وقال الحسن : لم يكن نبيا ؛ لأنه لا يجوز أن يتولى من ليس بنبي على نبي ، والحكمة وضع الأمور مواضعها على الصواب ، وكمال ذلك إنما يحصل بالنبوة ، ولم يكن ذلك لغيره قبله ، كان الملك في سبط والنبوة في سبط ، فلما مات شمويل وطالوت اجتمع لداود الملك والنبوة .

وقال مقاتل : ( الحكمة ) الزبور ، وقيل : العدل في السيرة . وقيل : ( الحكمة ) العلم والعمل به . وقال الضحاك : هي سلسلة كانت متدلية من السماء لا يمسكها ذو عاهة إلا برئ ، يتحاكم إليها ، فمن كان محقا تمكن منها حتى إن رجلا كانت عنده درة لرجل ، فجعلها في عكازته ودفعها إليه أن احفظها حتى أمس السلسلة ، فتمكن منها لأنه ردها ، فرفعت لشؤم احتياله . وإذا كانت الحكمة كان ذكر الملك قبلها والنبوة بعده من باب الترقي .

( وعلمه مما يشاء ) قيل : صنعة الدروع . وقيل : منطق الطير وكلامه للنحل والنمل . وقيل : الزبور . وقيل : الصوت الطيب والألحان . وقيل : ولم يعط الله أحدا من خلقه مثل صوته ، كان إذا قرأ الزبور تدنو الوحوش حتى يأخذ بأعناقها ، وتظله الطير مصيخة له ، ويركد الماء الجاري ، وتسكن الريح ، وما صنعت المزامير والصنوج إلا على صوته . وقيل : ( مما يشاء ) فعل الطاعات والأمر بها ، واجتناب المعاصي . والضمير الفاعل في ( يشاء ) عائد على داود أي : مما يشاء داود .

التالي السابق


الخدمات العلمية