الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فمن بدله بعدما سمعه ) ، الظاهر أن الضمير يعود على الوصية بمعنى الإيصاء ، أي : فمن بدل الإيصاء عن وجهه إن كان موافقا للشرع ، من الأوصياء والشهود بعد ما سمعه سماع تحقق وتثبت ، وعوده على الإيصاء أولى من عوده على الوصية : لأن تأنيث الوصية غير حقيقي : لأن ذلك لا يراعى في الضمائر المتأخرة عن المؤنث المجازي ، بل يستوي المؤنث الحقيقي والمجازي في ذلك ، تقول : هند خرجت ، والشمس طلعت ، ولا يجوز طلع إلا في الشعر ، والتذكير على مراعاة المعنى وارد في لسانهم ، ومنه :


كخرعوبة البانة المنفطر



ذهب إلى معنى القضيب ، كأنه قال : كقضيب البانة ، ومنه في العكس : جاءته كتابي فاحتقرها ، على معنى الصحيفة . والضمير في ( سمعه ) عائد على الإيصاء كما شرحناه ، وقيل : يعود على أمر الله تعالى في هذه الآية .

وقيل : الهاء ، في : ( فمن بدله ) عائدة إلى الفرض والحكم ، والتقدير : فمن بدل الأمر المقدم ذكره ، ومن : الظاهر أنها شرطية ، والجواب : ( فإنما إثمه ) ، وتكون : " من " ، عامة في كل مبدل : من رضي بغير الوصية في كتابة ، أو قسمة حقوق ، أو شاهد بغير شهادة ، أو يكتمها ، أو غيرهما ممن يمنع حصول المال ووصوله إلى مستحقه ، وقيل : المراد بـ " من " متولي الإيصاء دون الموصي والموصى له ، فإنه هو الذي بيده العدل والجنف والتبديل والإمضاء ، وقيل : المراد بـ " من " : هو الموصي ، نهي عن تغيير وصيته عن المواضع التي نهى الله عن الوصية إليها : لأنهم كانوا يصرفونها إلى الأجانب ، فأمروا بصرفها إلى الأقربين . ويتعين على هذا القول أن يكون الضمير في قوله : ( فمن بدله ) ، وفي قوله : ( بعدما سمعه ) عائدا على أمر الله تعالى في الآية ، وفي قوله : ( بعدما سمعه ) دليل على أن الإثم لا يترتب إلا بشرط أن يكون المبدل قد علم بذلك ، وكنى بالسماع عن العلم : لأنه طريق حصوله .

( فإنما إثمه ) . الضمير عائد على الإيصاء المبدل ، أو على المصدر المفهوم من " بدله " ، أي : فإنما إثم التبديل على المبدل ، وفي هذا دليل على أن من اقترف ذنبا ، فإنما وباله عليه خاصة ، فإن قصر الوصي في شيء مما أوصى به الميت ، لم يلحق الميت من ذلك شيء ، وراعى المعنى في قوله : ( على الذين يبدلونه ) إذ لو جرى على نسق اللفظ الأول لكان " فإنما إثمه " أو فإنما إثمه عليه على الذي يبدله ، وأتى في جملة الجواب بالظاهر مكان المضمر ليشعر بعلية - الإثم الحاصل - وهو التبديل ، وأتى بصلة " الذين " مستقبلة جريا على الأصل ، إذ [ ص: 23 ] هو مستقبل .

( إن الله سميع عليم ) . في هاتين الصفتين تهديد ووعيد للمبدلين ، فلا يخفى عليه تعالى شيء ، فهو يجازيهم على تبديلهم شر الجزاء ، وقيل : سميع لقول الموصي ، عليم بفعل الموصى ، وقيل : سميع لوصاياه ، عليم بنياته . والظاهر القول الأول : لمجيئه في أثر ذكر التبديل وما يترتب عليه من الإثم .

التالي السابق


الخدمات العلمية