يقال له: ليس هذا قول أحد من سلف الأمة ولا أئمتها، ولا قاله أحد من الأنبياء والمرسلين، ولا هو قول كل المتكلمين ولا غالبهم، بل هذا قول محدث في الإسلام ابتدعه المعتزلة ونحوهم من المتكلمين الذين اتفق سلف الأمة وأئمتها على ذمهم، وقد نازعهم في ذلك طوائف من المتكلمين من متكلمو المرجئة والشيعة وغيرهم، وقالوا: بل لا يجب أن يتوقف على النظر والاستدلال، بل قد يقولون: يمتنع أن يحصل بالقياس والنظر، وهذا قول جماهير الفقهاء والصوفية وأهل الحديث والعامة وغيرهم، [ ص: 571 ] بل قد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن الإقرار بالصانع فطري ضروري بديهي بل بعض هذه الطرق لا تفيد عندهم المعرفة فضلا عن أن يكون الله لا يقر به مقر ولا يعرفه عارف إلا بالطريقة المشهورة له، من إثبات حدوث العالم بحدوث صفاته مع دعواهم أن الله لا يعرف إلا بهذه الطريقة. وهذه مسألة عظيمة ليس هذا موضع بسطها، وقد بسطناها في غير هذا الموضع. معرفة الله والإقرار به لا تقف على هذه الطرق التي يذكرها أهل طريقة النظر،
وبينا أن أصل المعرفة والإقرار بالصانع لا يقف على النظر والاستدلال، بل يحصل بديهة وضرورة، ولهذا يقر بالصانع جميع الأمم مع عظيم شركهم وكفرهم، وأنهم لا يسلكون من هذه الطرق المشهورة عند النظار مثل الاستدلال بالحدوث على المحدث، وبالإمكان على الواجب، ولهذا يوجد [ ص: 572 ] له عند كل أمة اسم يسمونه، والتسمية مسبوقة بالتصور، فلا يسمي أحد إلا ما عرفه، ثم المستمع لذلك الاسم يقبل بفطرته ثبوت المسمى به من غير طلب حجة على وجوده، ويكون قبوله لذلك كقبوله لأسماء سائر ما أدركه بحسه وعقله مثل الشمس والقمر والواحد والاثنين، بل هذا أكمل وأشرف. ودلائل هذا كثيرة ليس هذا موضعها.