الوجه الرابع والثلاثون: أن يقال: فالمماثلة ضد المخالفة، والاختلاف ضد التماثل، وعدم التماثل لابد أن يستلزم صفات حقيقية ثبوتية اختلفا بها، وإلا المختلفان في الحقيقة هما اللذان لا يتماثلان؛ فإذن التباين بمعنى الاختلاف في الحقيقة يقتضي أمورا ثبوتية خالف بهما أحدهما الآخر مخالفة تنفي تماثله، وإذا كان المراد بالمباينة ذلك لم يجز العلم بها إلا بعد العلم بأن الشيئين ليسا متماثلين؛ وذلك لا يكون إلا بعد العلم بأمور ثبوتية تنفي مماثلتهما كما يعلم الطعم واللون والريح، فيعلم أنها ليست متماثلة. والعلم بأن الخالق مباين للمخلوق وأنه ممتاز عنه وأنه منفرد عنه يحصل قبل العلم بأن الله لا مثيل له وأن حقيقته مخالفة لحقيقة العالم، كما أنه قد [ ص: 670 ] يحصل العلم بأنه ليس مماثلا للخلق بل مخالف له قبل العلم بأنه مباين للعالم ممتاز عنه منفرد عنه، فإن باب الكيف غير باب الكم، وباب الصفة غير باب القدر. فالعدم المحض لا يوجب امتياز أحدهما عن الآخر.
وإذا كانت المباينة بالقدر والجهة تعلم دون هذه علم أنها أيضا ثابتة، وإن كانت تلك أيضا ثابتة، وأنه مباين للخلق بالوجهين جميعا، بل المباينة بالجهة والقدر أكمل؛ فإنها تكون لما يقوم بنفسه كما تكون له المباينة بالصفة والكيفية.