ومما يبين ذلك أن القول الذي حكاه عنهم لا يعرف في الإسلام عالم معروف قال به، ولا طائفة معروفة قالت به؛ ولكن قد يقول بعض العوام قولا لا يفصح بمعناه وحجته يظن به مستمعه أنه يعتقد ذلك. والتحقيق أن هذا النقل إنما نقلته المعتزلة ومن وافقهم عليه كهذا الرجل بطريق اللزوم لا أنهم [ ص: 132 ] سمعوه منهم أو وجدوه مأثورا عنهم، وذلك أنهم يسمعون أهل الإيمان من أهل الحديث والسنة والجماعة والفقهاء والصوفية يقولون: الكتاب والسنة. وإذا تنازعوا في مسألة من موارد الشرع بين الأمة في مسائل الصفات أو القدر أو نحو ذلك قالوا: بيننا وبينكم الكتاب والسنة، فإذا قال لهم ذلك المنازع: بيننا وبينكم العقل، قالوا: نحن ما نحكم إلا بالكتاب والسنة، ونحو هذا الكلام الذي هو حقيقة أهل الإيمان وشعار أهل السنة والجماعة، وحلية أهل الحديث والفقه والتصوف الشرعي. قالوا بموجب رأيهم: يلزم من هذا أن تكون وهذا جهل منهم، وقول بلا علم؛ فإن أحدا من هؤلاء لم يقل: إن الله تعالى لا يعرف إلا بمجرد خبر الشارع الخبر المجرد، فإن هذا لا يقوله عاقل؛ فإن تصديق المخبر في قوله إنه رسول الله بدون المعرفة أنه رسول ممتنع، ومعرفة أنه رسول الله ممن لا يعرف أن الله موجود ممتنع. فنقل مثل هذا [ ص: 133 ] القول عن طائفة توجد في الأمة أو عن عالم معروف في الأمة من الكذب البين، وهو من جنس وضع الملاحدة للأحاديث المتناقضة على المحدثين ليشينوهم بذلك عند الجهال؛ لكن من عموم المؤمنين أهل الحديث وغيرهم من لا يحسن أن يجيب عما يورد عليه من الشبه، أو من لا يحسن البيان عما انعقد في نفسه من البرهان، واستقر عنده من الإيمان، ولكن هذا لا يبيح أن ينقل عنهم البهتان، كيف وشعارهم الدعاء إلى الكتاب والسنة؟ ! والقرآن مملوء من طريق تعريف الله تعالى لعباده بالأدلة الواضحة المعقولة والأمثال المضروبة التي هي القياسات العقلية. معرفة الله تعالى لا تحصل إلا بخبر الشارع إذا لم يكن للعقل مجال في إثبات المعرفة.