وكذلك قال: زعمت الجهمية أن الله في القرآن إنما هو اسم مخلوق، فقلنا: قبل أن يخلق هذا الاسم ما كان اسمه؟ قالوا: لم يكن له اسم، فقلنا: وكذلك قبل أن يخلق العلم كان جاهلا لا يعلم حتى خلق لنفسه علما، وكان لا نور له حتى خلق لنفسه نورا، وكان لا قدرة له حتى خلق لنفسه قدرة؟!! فعلم الخبيث أن الله قد فضحه وأبدى عورته حين زعم أن الله جل [ ص: 434 ] ثناؤه في القرآن إنما هو اسم مخلوق.
وقال «ثم عاد المعارض إلى أسماء الله تعالى ثانية فادعى أنها محدثة كلها؛ لأن الأسماء هي الألفاظ، ولا يكون لفظ إلا من لافظ، إلا أن في معانيها ما هي قديمة ومنها حديثة، وقد فسرنا للمعارض تفسير أسماء الله تعالى في صدر كتابنا هذا، واحتججنا عليه بما تقوم به الحجة من الكتاب والسنة، فلم نحب إعادتها ها هنا ليطول به الكتاب، غير أن قوله: هي لفظ اللافظ، يعني أنه من ابتداع المخلوقين وألفاظهم. (ل) أن الله تعالى لا يلفظ بشيء في دعواهم، ولكن وصفه بها المخلوقون، وكلما حدث لله تعالى فعل في دعواه أعاره العباد اسم ذلك الفعل، يعني أنه لما خلق سموه خالقا، وحين رزق سموه رازقا، وحين خلق الخلق [ ص: 435 ] فملكهم سموه مالكا، وحين فعل الشيء سموه فاعلا، وكذلك قال: منها حديثة ومنها قديمة. عثمان بن سعيد الدارمي:
فأما قبل الخلق فبزعمهم لم يكن لله اسم، وكان كالشيء المجهول الذي لا يعرف ولا يدرى ما هو حتى خلق، فأحدثوا أسماءه، ولم يعرف الله في دعواهم لنفسه أسماء حتى خلق الخلق فأعاروه هذه الأسماء من غير أن يتكلم الله بشيء منها، فيقول: أنا الله رب العالمين [القصص: 30] وأنا الرحمن الرحيم وأنا التواب الرحيم [البقرة: 160] فنفوا كل ذلك عن الله تعالى مع نفي الكلام عنه حتى أن رأس محنته نفي الكلام عن الله، جهم فقال: «متى نفينا عنه الكلام فقد نفينا عنه جميع الصفات من النفس واليدين والوجه والسمع والبصر؛ لأن الكلام لا يكون إلا لذي نفس ووجه ويد وسمع وبصر، ولا يثبت كلام لمتكلم إلا من قد اجتمعت فيه هذه الصفات». ادعى
وكذب وأتباعه فيما نفوا عنه من الكلام، وصدقوا فيما ادعوا أنه لا يثبت الكلام [ ص: 436 ] إلا لمن اجتمعت فيه هذه الصفات، فقد اجتمعت في الله على رغم أعداء الله، وإن جزعوا منه، بلا تكييف ولا تمثيل، وهو الذي أخبر عنه بأسمائه في محكم كتابه المنزل على رسوله، ووصف بها نفسه -وقوله ووصفه غير مخلوق - على رغم جهم الجهمية، غير أن الوصف من الله على لونين. أما ما وصف به نفسه فالوصف والموصوف غير مخلوق، وأما ما وصف به خلقه من السموات والأرض والجبال والشجر والجن والإنس والأنعام وسائر الخلائق فالوصف منه غير مخلوق والموصوفات مخلوقات [ ص: 437 ] كلها.