قال في النقض على الإمام عثمان بن سعيد الدارمي ومتبعيه: المريسي يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله [الزمر: 56] قال: يعنون بذلك الجنب الذي هو العضو، وليس على ما يتوهمون". "وادعى المعارض زورا على قوم أنهم يقولون في تفسير قول الله تعالى:
قال: "فيقال لهذا المعارض: ما أرخص الكذب عندك، وأخفه على لسانك، فإن كنت صادقا في دعواك فأشر بها إلى أحد من بني آدم قاله، وإلا فلم تشنع بالكذب على قوم هم أعلم بالتفسير منك، وأبصر بتأويل كتاب الله منك ومن إمامك، إنما تفسيرها عندهم: تحسر الكافرين على ما فرطوا في الإيمان والفضائل التي تدعو إلى ذات الله، واختاروا عليها الكفر والسخرية بأولياء الله، فسماهم الساخرين.
[ ص: 467 ] فهذا تفسير الجنب عندهم، فمن أنبأك أنهم قالوا جنب من الجنوب، فإنه لا يجهل هذا المعنى كثير من عوام المسلمين فضلا عن علمائهم، وقد قال أبو بكر الصديق: وقال "الكذب مجانب للإيمان" "لا يجوز من الكذب جد ولا هزل" وقال ابن مسعود: "من كان كذابا فهو منافق، فاحذر أن تكون منهم". الشعبي:
وتوجيه ذلك أن الله تعالى قال: أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين [الزمر: 56-59] فهذا إخبار عما تقوله هذه النفس الموصوفة بما وصفت به.
[ ص: 468 ] وعليه: هذه النفوس لا تعلم أن لله جنبا، ولا تقر بذلك، كما هو الموجود منها في الدنيا، فكيف يكون ظاهر القرآن أن الله أخبر عنه بذلك، وقد قال في كلامهم: يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله فجعلوا التفريط في جنب الله، والتفريط: فعل أو ترك فعل. وهذا لا يكون قائما بذات الله لا في جنب ولا في غيره، بل يكون منفصلا عن الله، وهذا معلوم بالحس والمشاهدة.
فظاهر القرآن يدل على أن قول القائل: يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ليس أنه جعل فعله أو تركه في جنب يكون من صفات الله تعالى وأبعاضه، فأين في ظاهر القرآن أنه ليس لله إلا جنب واحد بمعنى الشق؟ لكن قد يقال: القرآن فيه إثبات جنب الله تعالى، وفيه إثبات التفريط فيه، فثبوت نوع من التوسع والتجوز فيما / جعل فيه لا يوجب ثبوت التوسع والتجوز فيه كما في قوله تعالى: بيده الملك [الملك: 1] فإن هناك شيئين اليد، وكون الملك فيها، ولهذا تنازعوا في إثبات ذلك صفة لله.
[ ص: 469 ]