الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما الإنبات فقد منع أبو حنيفة أن يكون له بالبلوغ تعلق لقوله صلى الله عليه وسلم " رفع القلم عن ثلاثة " وذكر من ذلك الصبي حتى يحتلم ، فجعل الاحتلام حدا لبلوغه ، ولأنه لما لم يكن إنبات شعر الوجه بلوغا فأولى ألا يكون إنبات شعر العانة بلوغا .

                                                                                                                                            والدلالة على أنه يكون بلوغا أن سبي بني قريظة نزلوا من حصونهم على حكم سعد ابن معاذ الأشهلي رضي الله عنه ، فقال سعد : حكمي فيهم أن من جرت عليه الموسى قتل ، ومن لم تجر عليه استرق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هذا حكم الله من فوق سبعة أرقعة لأن السماء رقع ، ولأن شعر العانة والإنزال يختصان بعضو يحدثان عند وقت البلوغ بالإنزال شرعا وجب أن يتعلق بالإنبات شرعا .

                                                                                                                                            وتحريره قياسا أنه أحد نوعي ما يتعلق به البلوغ عرفا ، فوجب أن يتعلق به البلوغ شرعا كالإنزال ، وبهذا المعنى من الاستدلال فرقنا بين شعر الوجه وبين شعر العانة .

                                                                                                                                            فأما الخبر فليس في ظاهره مع ما ذكرنا من النص والاستدلال حجة .

                                                                                                                                            فإذا تقرر ما ذكرنا وأن الإنبات يتعلق به البلوغ في المشركين فهل يكون بلوغا فيهم أو دلالة على بلوغهم ؟ فيه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه يكون بلوغا فيهم كالإنزال ، فعلى هذا يكون بلوغا في المسلم أيضا .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن يكون دلالة على بلوغهم ، لأن سعدا جعله دليلا عند تعذر العلم بسنهم .

                                                                                                                                            [ ص: 344 ] فعلى هذا هل هو دلالة على بلوغ المسلمين أم لا ؟ على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه يكون دلالة على بلوغ المسلمين ، لأن ما تعلق به البلوغ لا فرق فيه بين المسلمين والمشركين .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنه لا يكون دلالة على بلوغ المسلمين وإن كان دلالة على بلوغ المشركين ، والفرق بينهما من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن المشرك تغلظ أحكامه ببلوغه كوجوب قتله وأخذ جزيته ، فانتفت عنه التهمة في معالجة الإنبات .

                                                                                                                                            والمسلم تخفف أحكامه ببلوغه في فك حجره وثبوت ولايته وقبول شهادته فصار متهما في معالجة الإنبات .

                                                                                                                                            والثاني : أن الضرورة دعت إلى جعل الإنبات بلوغا في المشرك لأن سنه لا يعلم إلا بخبره ، وخبر المشرك لا يقبل .

                                                                                                                                            ولم تدع الضرورة إلى ذلك في المسلم ، لأن خبره في سنه مقبول ، ثم لا اعتبار في الإنبات إلا أن يكون شعرا قويا ، فأما إن كان زغبا فلا ، فلو أن غلاما من المسلمين نبت الشعر على عانته فشهد له عدلان من المسلمين أنه لم يستكمل خمس عشرة سنة فيكون بلوغه على القولين ، إن قيل : إن الإنبات يكون بلوغا حكم ببلوغه وإن كان سنه أقل من خمس عشرة سنة ، وإن قيل : إن الإنبات دلالة على البلوغ لم يحكم ببلوغه إذا علم نقصان سنه ، وهذه فائدة القولين ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية