الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو رهنه أرضا ونخلا ثم اختلفا فقال الراهن أحدثت فيها نخلا وأنكر المرتهن ولم تكن دلالة وأمكن ما قال الراهن فالقول قوله مع يمينه ثم كالمسألة قبلها " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال .

                                                                                                                                            وصورتها في رجل رهن رجلا أرضا مع نخلها ثم اختلفا في شيء من النخل هل كان متقدما فدخل في الرهن ؟ أو حادثا فلم يدخل في الرهن ؟ فقال المرتهن : كان متقدما فهو رهن ، وقال الراهن : أحدثته بعد الرهن فليس برهن ، فهذا على ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يشهد الحال بصدق الراهن في ذلك ، مثل أن يكون النخل من غرس عشر سنين ، ومدة الرهن عشرين سنة ، فالقول قول الراهن لاستحالة دعوى المرتهن ، ولا يمين على الراهن ، وتكون النخل خارجة من الرهن ولا خيار للمرتهن .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يشهد الحال بصدق المرتهن ، وذلك أن تكون النخل من غرس عشرين سنة ومدة الرهن عشر سنين ، فالقول قول المرتهن لاستحالة دعوى الراهن ولا يمين عليه وتكون تلك النخل رهنا .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : ألا يكون في الحال شاهد ويمكن ما قاله كل واحد منهما : وذلك مثل أن تكون مدة الرهن عشرين سنة ، ويجوز أن يكون النخل من غرس أقل من عشرين سنة ، ويجوز أن يكون قد غرس لأكثر من عشرين سنة ولا بينة لواحد منهما فيما ادعاه مع إمكان دعواه .

                                                                                                                                            فإذا كان كذلك فالقول قول الراهن مع يمينه لأنه مالك قد ادعي عليه في ملكه عقد وثيقة فكان القول قوله في إنكار رهن النخل كما كان القول قوله لو أنكر رهن الأرض .

                                                                                                                                            فإذا حلف الراهن فالنخل خارجة من الرهن ، فإن كان في دين فلا خيار للمرتهن ، وإن كان في بيع أحلف المرتهن بالله : لقد كان النخل داخلا في الرهن ، فإذا حلف فله الخيار في فسخ البيع : لأنه لا يعترف بالبيع إلا برهن لم يحصل له فكان له فسخه إذا حلف فيصير [ ص: 128 ] الراهن حالفا والمرتهن حالفا إلا أن يمين الراهن على خروج النخل من الرهن ويمين المرتهن لفسخ البيع .

                                                                                                                                            فلو حلف الراهن فخرجت النخل بيمينه من الرهن ونكل المرتهن لم يكن للمرتهن خيار في فسخ البيع .

                                                                                                                                            ولو نكل الراهن عن اليمين ردت على المرتهن فإن حلف كانت النخل داخلة في الرهن على ما ادعى ولا خيار له في فسخ البيع وإن نكل المرتهن أيضا فعلى وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن النخل داخلة في الرهن على ما ادعى المرتهن لتصادقهما بأن الرهن قد كان على جميع النخل الذي كان في الأرض وهذا نخل في الأرض فلما لم يخرجه الراهن بيمينه دخل في الرهن .

                                                                                                                                            والوجه الثاني وهو الصحيح أن النخل خارج من الرهن على ما ادعى الراهن : لأن دعوى المرتهن قد سقط بنكوله فلم يجز أن يحكم بقوله ، فعلى هذا تكون النخل خارجة من الرهن ، ولا خيار للمرتهن في فسخ البيع لأنه ناكل .

                                                                                                                                            فأما قول الشافعي كمسألتنا ثم كالمسألة قبلها : يعني في بيع الأرض دون النخل إلا أن يكون غرماء فيباعان معا .

                                                                                                                                            فصل : فأما إذا اتفقا على أن النخل في الأرض قبل عقد الرهن ثم اختلفا : هل رهنه الأرض مع النخل أو رهنه الأرض دون النخل ؟ فالقول قول الراهن مع يمينه أيضا على ما مضى ، فإذا حلف خرجت النخل من الرهن وحلف المرتهن على ذلك ثم فسخ البيع فإن نكل الراهن ردت اليمين على المرتهن فإن حلف دخلت النخل في الرهن ، وإن نكل المرتهن فالنخل خارجة من الرهن وجها واحدا لا يختلف فيه أصحابنا لأنه ليس سببا يغلب به دخول النخل في الرهن بخلاف ما مضى .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية