الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما القسم الثاني وهو شركة العروض فهو أن يخرج هذا متاعا فيقيمه ويخرج هذا متاعا فيقيمه ثم يشتركان بالقيمتين ليكون المتاعان بينهما إن ربحا فيه كان بينهما ، وإن خسرا فيه كان الخسران عليهما فهذه شركة باطلة سواء كان العرضان من جنس واحد أو من جنسين لأمرين :

                                                                                                                                            [ ص: 474 ] أحدهما : أنه قد يزيد قيمة العرض الواحد فيأخذ الشريك من ربحه قسطا ، وينقص فيلتزم من خسرانه قسطا ولم يملك منه شيئا .

                                                                                                                                            والثاني : أنهما إن أرادا رد قيمته عند فصل الشركة فقد يجوز أن تزيد قيمته زيادة تستوعب الربح كله ، وإن أرادا رد قيمته فهي غير ما اشتركا فيه فإذا ثبت ما ذكرناه من بطلان شركة العروض فلابن أبي ليلى كلام ، فقد ذكر المزني في صحة الشركة فيها طريقا ، وذكر البغداديون من أصحابنا طريقا ثانيا ، وذكر البصريون طريقا ثالثا .

                                                                                                                                            فأما طريقة المزني : فهو أن يبيع كل واحد منهما نصف عرضه بنصف عرض صاحبه ويتقابضاه فيصير كل واحد من العرضين شركة بينهما نصفين ثم يأذن كل واحد منهما لصاحبه في التجارة فهذه طريقة صحة الشركة في العروض إذا لم يتبايعا على شرط الشركة .

                                                                                                                                            وأما طريقة البغداديين فهي أن يشتركا في شراء متاع بثمن في ذمتهما ثم يدفع كل واحد منهما عرضا بما عليه من ثمن المتاع ، وهذه وإن كانت طريقة إلى صحة الشركة فليست شركة في العروض وإنما هي شركة في المتاع بثمن في الذمة فإن العرض عوض فيه .

                                                                                                                                            وأما طريقة البصريين : فهو أن يشتري كل واحد منهما نصف عرض صاحبه بثمن في ذمته ثم يتقابضان الثمن أو يتبادلانه ، فيصير كل واحد من العرضين شركة بينهما نصفين وهذه مزنية من طريقة المزني فتصح الشركة في العروض في هذه الطرق الثلاثة ، ولكن اختلف أصحابنا إذا اشتركا في العروض على الطريقة التي ذكرناها عن المزني هل يفتقر إلى العلم بقيمة العرضين أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنهما يفتقران إلى العلم بالقيمة ليعلما ما يحصل لهما من فضل أو يرجع عليهما من عجز .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنهما لا يفتقران إلى العلم بقيمة العرضين لأنهما لما تساويا في ملكه تساويا في ربحه فلم يكن بهما حاجة إلى تمييز الربح من الأصل .

                                                                                                                                            فأما على الطريقتين الأخريين فلا يلزم ؛ لأن رأس المال هو الثمن المعقود عليه به فهذا فيما لا يتماثل أجزاؤه ، فأما الذي يتماثل أجزاؤه ولا يختلف مثل الحبوب والأدهان المتفقة في النوع والصفة إذا أخرج أحدهما قدرا فيها كأن أخرج كذا من حنطة على صفة وأخرج الآخر كذا من حنطة على مثل تلك الصفة وخلطاها ليكون شركة بينهما ويردان مثله عند المفاضلة ففيه لأصحابنا وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنها شركة باطلة لأنه معرض لزيادة القيمة ونقصها كالعروض .

                                                                                                                                            [ ص: 475 ] والوجه الثاني وهو قول جمهور أصحابنا : أنها شركة جائزة لأنه مما لا يتميز عند الاختلاط ويمكن الرجوع إلى مثله عند الانفصال فأشبهه الدراهم والدنانير ، وزيادة السعر ترجع إليها ونقصه يعود عليها ، ولكن لو كان أحدهما أعلى قيمة من الآخر ويخالفه في صفة من صفاته لم تجز الشركة به وجها واحدا لتميزه إذا خلط .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية