الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وليس للسيد أخذها للخدمة خوفا أن يحبلها " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : قد ذكرنا أن منافع الرهن للراهن ، وهو غير ممنوع منها ما لم يكن فيها سبب يفضي إلى إبطال وثيقة المرتهن ، أو إلى النقصان فيها ، فإذا كان الرهن أمة فلها منفعتان ، استخدام واستمتاع فأما الاستخدام فهو غير ممنوع : لأنه لا يفضي إلى إبطال وثيقة المرتهن ولا إلى النقصان فيها .

                                                                                                                                            وأما الاستمتاع فإن كانت ممن يخاف حبلها فهو ممنوع من الاستمتاع بها ، لأن حبلها [ ص: 215 ] يفضي إلى إبطال وثيقة المرتهن فيها ، وإن كانت ممن لا يخاف حبلها لصغر أو إياس ، ففي جواز الاستمتاع بها وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما وهو قول أبي إسحاق المروزي : يجوز استمتاعه بها ولا يمنع منه ، لأنها منفعة لا تفضي إلى إبطال وثيقة المرتهن منها ولا إلى النقصان فيها ، وتعليل الشافعي يقتضيه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني وهو قول أبي علي بن أبي هريرة ، أنه يمنع من الاستمتاع ، لأن عادة النساء في زمان الحمل مختلفة ، فربما أسرع إليها بقوة الطبع وفرط الحرارة ، وربما تأخر لضعف الطبع وكثرة البرودة ، فكان حسم ذلك لاختلافه خوفا من حدوث الإحبال أولى .

                                                                                                                                            كما أن طباع الناس لما كانت تختلف في السكر ، فمنهم من يسكر بالقليل ، ومنهم من لا يسكر به ، منع من قليله وكثيره .

                                                                                                                                            فإذا تقرر هذان الوجهان ، فإن قيل : إنه ممنوع من الاستمتاع بها ، لم يجز أن يخلو بها في الاستخدام لها خوفا من مواقعتها ، سواء كانت جميلة أم لا ، إلا أن يأذن المرتهن فيجوز ، لأن هذا المنع ليس لحق الله تعالى كمنع المرتهن ، فإذا أذن جاز .

                                                                                                                                            فإذا قيل : إنه غير ممنوع من الاستمتاع ، جاز أن يخلو بها في الاستخدام لها ، لأن أكثر ما يخاف من الخلوة بها أن يطأ ، والوطء مباح له ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية