الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما المحال عليه فهو من انتقل الحق بالحوالة من ذمة المحيل إلى ذمته ، وظاهر مذهب الشافعي أن رضاه غير معتبر في صحة الحوالة ، بل تتم برضا المحيل والمحتال سواء رضي بذلك المحال عليه أم لم يرض ، وبه قال من أصحابنا أبو العباس بن سريج وأبو إسحاق المروزي وأبو علي بن أبي هريرة ، وقال أبو إبراهيم المزني وأبو عبد الله الزبيري وأبو سعيد الإصطخري وأبو حفص بن الوكيل : الحوالة لا تتم إلا برضا المحال عليه فإن لم يقبلها ولم يرض بها لم تصح ، وبه قال أبو حنيفة ومالك استدلالا بأن من كان وجوده في الحوالة شرطا كان رضاه فيها شرطا كالمحيل والمحتال .

                                                                                                                                            ولأن الدين قد يتعلق بالذمة أصلا وبالرهن فرعا ، فلما لم يكن لصاحب الدين أن يولي الرهن غيره فأولى ألا يكون له أن يولي الذمة غيره ولأنه ربما كان صاحب الدين أسهل اقتضاء وأسهل معاملة وأسمح قبضا ، فلا يرضى من عليه الدين بمعاملة غيره : لأنه بخلاف معاملته ، فلذلك كان بقاء الدين بالحوالة موقوفا على قبوله ، ودليلنا أن من عليه الدين مملوك الذمة ، فلم يكن رضاه معتبرا في نقل الملك كبيع العبد المملوك ، ولأن بالحوالة يزول ملكه عن الدين كالإبراء .

                                                                                                                                            فلما لم يكن رضا المبرأ معتبرا في صحة البراءة ، لم يكن رضا المحال عليه معتبرا في صحة الحوالة ، ولأن مالك الدين مخير في استيفائه بنفسه وبغيره ، كالوكيل وكذلك بالمحتال .

                                                                                                                                            [ ص: 419 ] فأما الجواب عما ذكروه من المحيل والمحتال فالمعنى في المحيل أنه مالك فكان رضاه معتبرا في زوال ملكه والمحال عليه مملوك ، والمعنى في المحتال أنه لما لم تتم البراءة من دينه إلا برضاه لم تتم الحوالة به إلا عن رضاه ، ولما تمت البراءة عن الدين الذي على المحال عليه بغير رضاه تمت الحوالة بغير رضاه .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن الرهن فهو أن المرتهن لما لم يملك الرهن لم يكن له أن ينقله إلى غيره ، ولما كان المحيل مالكا للدين جاز أن ينقله إلى غيره .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن قولهم : إن من عليه الدين لم يرض إلا بمعاملته ولا دخل إلا تحت ملكه ، فمنتقض بالوكيل ثم يقال هو كمن قد ملكت ذمته كالعبد المملوك الذي لا خيار له في تمليك رقبته أشبه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية