الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو قال : رهنته هذه الدار التي في يديه بألف ولم أدفعها إليه فغصبنيها ، أو تكاراها مني رجل وأنزله فيها ، أو تكاراها هو مني فنزلها ولم أسلمها رهنا فالقول قوله مع يمينه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال ، إذا ادعى رجل دارا في يده أنها مرهونة عنده على ألف له على مالكها ، وقال المالك : له علي ألف رهنته الدار بها ، غير أنني لم أقبضه إياها ، وإنما غصبنيها أو تكاراها أو استعارها أو تكاراها رجل فأنزله بها ، فالقول قول مالكها مع يمينه ، لأن عقد الرهن لا يتم إلا بالقبض ، فكان الخلف في القبض خلفا في أصل العقد ، ولو اختلفا في عقد الرهن كان القول قول الراهن ، وكذلك إذا اختلفا في القبض بعد العقد يجب أن يكون القول فيه قول الراهن ، فإن قيل : أليس لو اشترى رجل دارا ثم وجدت الدار في يد المشتري ، فقال المشتري : أقبضنيها ، وقال البائع : بعته ولم أقبض ، لكن غصبنيها ، كان القول قول المشتري لحصول يده ، وكذلك المستأجر إذا كانت الدار في يده ، وقال أقبضنيها المؤجر ، وقال المؤجر : بل غصبنيها المستأجر ، لحصول يده ، فهلا كان القول فيه قول المرتهن في قبض المرهون لحصول يده ؟ قيل : الفرق بينهما أن القبض في الرهن شرط في تمامه لا يصح أن يجبر على الراهن ، وليست يد المرتهن دليلا على اختياره ، والقبض في البيع والإجارة واجب يجبر عليه البائع والمؤجر ، فكانت يد المشتري والمستأجر دليلا على حصوله ، ويتفرع على تعليل هذا الفرق بين الإجارة والرهن أن إجارة الرهن من مرتهنه جائزة ، ولا تحتاج إلى قبض لكونها في [ ص: 202 ] قبضه ، ورهن ما في الإجارة من مستأجره جائز ويحتاج إلى قبض وإن كان في قبضه ، لما ذكرنا من أن قبض الإجارة يصح بغير إذن ، وقبض الرهن لا يصح إلا بإذن ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية