قال الماوردي : وهذا كما قال .
لا يحل فإن خللها بخل أو ملح ألقاه فيها فهي نجسة لا يحل شربها لكن لا يفسق مستحلها ، ولا يحد شاربها . تخليل الخمر ،
وقال أبو حنيفة تخليل الخمر جائز وهي بالتخليل طاهرة وشربها مباح استدلالا بقوله صلى الله عليه وسلم ولم يفرق بما روت نعم الإدام الخل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أم سلمة يحل الدباغ الجلد كما يحل الخل الخمر ، وهذا نص في تحليلها وإباحة تخليلها ولأنها عين نجست لعارض فجاز أن تطهر بفعل الآدمي ، أصله : جلد الميتة حيث يطهر بالدباغ ، والثوب النجس حيث يطهر بالغسل ، ولأن كالبيض المحضون إذا نجس بأن صار دما وعلقة لما جاز أن يطهر فيصير فرخا بغير فعل آدمي إما بنفسه أو بخاصية جاز أن يطهر بفعل الآدمي كذلك الخمر لما جاز أن تطهر باستحالتها خلا من غير فعل آدمي جاز أن تطهر إذا خللت بفعل الآدمي . ما جاز أن يطهر بغير فعل آدمي جاز أن يطهر بفعل الآدمي
قالوا : ولأن فلما كان تنجيسها وتحريمها عندكم بحدوث الشدة فيها وعندنا لانطلاق اسم الخمر عليها وكان تخليلها يزيل الشدة منها وبنقل اسم الخمر عنها وجب أن يزيل تنجيسها وتحريمها . الحكم إذا ثبت لعلة زال بزوالها
قالوا : ولأن من حكمها مع تنجيسها وتحريمها تفسيق متناولها ووجوب الحد على شاربها ، فلما كان تخليلها مانعا من تفسيق متناولها ، ومسقطا لوجوب الحد على شاربها وجب أن يكون رافعا لتنجيسها وتحريمها .
وتحرير ذلك قياسا ، أنه أحد حكمي الخمر ، فوجب أن يرتفع بالتخليل كالحد .
قالوا : ولأن التخليل على ضربين :
تخليل بطرح شيء فيها وتخليل بنقلها وتحويلها فلما كان تخليلها بنقلها من الظل إلى الشمس وتعريضها للحر والريح رافعا لتنجيسها وتحريمها موجبا لتطهيرها وتحليلها وجب أن يكون تخليلها بطرح شيء فيها رافعا لتنجيسها وتحريمها موجبا لتطهيرها وتحليلها .
[ ص: 113 ] وتحرير ذلك أنه أحد نوعي التخليل ، فوجب أن يقع به التطهير والتخليل كالنقل والتحويل .
والدليل على صحة ما ذهبنا إليه ما روى أنس بن مالك ( رضي الله عنه ) أن أبا طلحة الأنصاري قال : يا رسول الله إن عندي خمرا لأيتام فقال صلى الله عليه وسلم : أهرقها ، قال : أفلا أجعلها خلا ؟ قال : لا ، قال أنس رضي الله عنه : فعمدت إلى مهراس عندنا فكسرتها فأرقتها .
ومن هذا الخبر دليلان :
أحدهما : أنه منعه من تخليلها ، ولو كان تخليلها سببا لطهارتها وإباحتها لأمر به ولم يمنع منه ، كما أن الدباغة لما كانت سببا لطهارة الجلد أمر به في شاة ميمونة حيث رآها ميتة ولم يمنع منه .
والثاني : أنه أمر بإراقتها مع علمه أنها مال يتيم وأموال اليتامى تجب حراستها ، فلو كان التخليل سببا لطهارتها وإباحتها لأمر به في مال اليتيم ولم يأمر بإراقتها .
وروي في حديث آخر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن تخليل الخمر والنهي يقتضي تحريم المنهي عنه وفساده .
ولأنه إجماع الصحابة وهو ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : لا تنتفعوا بخمر أفسدتموها حتى يقلب الله عينها .
وروي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال : لا تشتروا الخل من الخمار مخافة أن يكون قد خللها .
فهذا قول صحابيين وليس لهما في الصحابة مخالف .
ويدل على ذلك من ناحية المعنى : أنه مائع نجس لا يطهر بالمكاثرة فوجب . . أصله : ما سوى الخمر من المائعات النجسة . ألا يطهر بالعلاج والصنعة
ولأن ما استبيح من الأموال بغير فعل لم يستبح بالمحظور من الفعل ، كالميراث وغيره لما كان يستباح بالموت من غير فعل الوارث كذلك الخمر لما استبيحت باستحالتها خلا من غير فعل محظور لم تستبح بانقلابها خلا بفعل محظور . لم يستبح بقتل الوارث
ولأن لحدوث الشدة المطربة فيها والشدة قد تزول تارة بإلقاء [ ص: 114 ] العسل فيها فتحلو ، وتارة بإلقاء الخل فيها فتحمض ، فلما كان زوال الشدة إذا حلت بإلقاء العسل فيها لا يوجب إباحتها وتطهيرها وجب أن يكون زوال الشدة إذا حمضت بإلقاء الخل فيها لا يوجب إباحتها وتطهيرها وتحرير ذلك قياسا : تحريم الخمر وتنجيسها
أنه أحد نوعي فعل تزول به الشدة فوجب ألا تقع به الإباحة كزوالها بالحلاوة .
وكان الإسفراييني يعتمد في هذه المسألة على أن فقد نجس بملاقاة الخمر فلا يطهر بانقلابها خلا لنجاسة ما ألقي فيها من الخل كما لو كان الخل نجسا من قبل ويزعم أن هذا فقه المسألة وأقوى دلائلها وهذا ليس بصحيح لأنه لا دليل في المسألة أو رهن منه لظهور فساده بكل ما تقع الطهارة به لأن الماء وهو أقوى الأشياء في التطهير ينجس بملاقاة النجاسة إذا ورد عليها ولا يمنع من إزالتها وطهارة محلها ، الخل إذا ألقي في الخمر تنجس في الاستنجاء بملاقاة النجاسة في محلها ولا تمنع إزالة حكمها . والأحجار
ينجس بملاقاة جلد الميتة ولا يمنع من تطهيره ولو كان هذا كله نجسا قبل الملاقاة لم تقع به الطهارة فما المانع أن يكون حكم الخل كذلك . والشث والقرظ في الدباغ
فأما الجواب عن قوله عليه السلام فمن وجهين : نعم الإدام الخل
أحدهما : أن قوله " نعم " لفظ تفضيل وتشريف ، وما كان مختلفا في إباحته لا يستحق التفضيل والتشريف وتخليل الخمر مختلف فيه فلم يجز أن يكون داخلا في عموم لفظ ينافيه .
والجواب الثاني : أن قوله قصد به إباحة الجنس والجنس مباح فلم يجز إذا اختلف في تنجيس البعض لمعنى أن يجعل دليلا فيه كما لا يجعل دليلا في طهارة ما طرأت عليه النجاسة .
وأما الجواب عن قوله : يحل الدباغ الجلد كما يحل الخل الخمر مع ضعفه فإنه محتمل لأمرين :
أحدهما : أنه أراد الخل الذي قد استحالت إليه .
والثاني : أنه أراد خلا ألقي فيها . . فكان حمله على الأول أولى من حمله على هذا لأن بإلقاء الخل فيها لا تطهر إجماعا حتى تستحيل مع ذلك خلا وهذه زيادة في الطهارة فكان الأول أولى .
وأما قياسهم على فباطل بلحم الميتة لأنه لا سبيل إلى طهارته وإن كانت نجاسته لعارض ، ثم المعنى في دباغ جلد الميتة أنه يستباح بفعل غير محظور فجاز أن يطهر به ولما كان التخليل محظورا لم يجز أن يطهر به . الدباغ في جلد الميتة
[ ص: 115 ] وأما استدلالهم فقد اختلف أصحابنا في البيض إذا صار كذلك هل هو نجس أم لا ؟ على وجهين بناء على اختلافهم في علقة الآدمي . بالبيض إذا صار دما وعلقة
أحدهما : أنه طاهر ، فعلى هذا يسقط الدليل به .
والوجه الثاني : أنه نجس ، فعلى هذا الفرق بين البيض وبين الخمر من وجهين :
أحدهما : أن الفعل في البيض غير محظور فجاز أن يطهر به وفي الخمر محظور فلم يجز أن يطهر به .
والثاني : أن ما هو نجس من البيض لم يحدث فيه فعل وإنما كان في غيره فجاز أن يطهر به كما يطهر الخمر بالاستحالة ، وليس كذلك الخمر النجس لأن فعل التخليل حادث فيه فلم يجز أن يطهر به .
وأما قولهم : إن العلة إذا زالت وجب زوال حكمها فالجواب : أن قد زالت وإنما بقي نجاسة الخل . نجاسة الخمر
وأما قياسهم على سقوط الحد وزوال التفسيق فيقال بموجبه لأن نجاسة الخمر قد زالت وإنما بقيت نجاسة أخرى وهي نجاسة الخل .
وأما قياسهم على تحليلها بالنقل والتحويل من الظل إلى الشمس أو بتعريضها للهواء والريح ، أو بكشف رءوسها حتى أطارت الريح الملح فيها فهل تكون طاهرة كما لو استحالت أو تكون نجسة كما لو خللت ؟ على وجهين :
أحدهما : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة : أنها نجسة كما لو خللت لأن تحويلها وكشف رأسها سبب لإتلافها ومانع من استحالتها بذاتها وخالف الإمساك لأن إمساكها يقصد به تعتيقها واستصلاحها ويقصد بكشفها استهلاكها وإتلافها ألا ترى إلى قول الشاعر :
فهي لليوم الذي نزلت وهي ترب الدهر في القدم
فعلى هذا سقط الاستدلال .والوجه الثاني : أنها طاهرة كما لو استحالت بخلاف التخليل لأن التخليل إحداث فعل فيها فلم تطهر به وليس كشف رءوسها وتحويلها إحداث فعل فيها فجاز أن تطهر به .