الملء : مقدار ما يملأ ، وهو اسم يثنى ويجمع يقال : ملء القدح ، وملأه ، وثلاثة أملائه ، وبفتح الميم المصدر ، يقال : ملأت الشيء املأه ملأ ، والملاءة التي تلبس ، وهي الملحفة بضم الميم والهمز . وتقدمت هذه المادة في شرح الملأ .
( أفغير دين الله يبغون ) روي عن : اختصم أهل الكتاب ، فزعمت كل فرقة أنها أولى بدين ابن عباس إبراهيم ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم ، فغضبوا . وقالوا : والله ما نرضى بقضائك ، ولا نأخذ بدينك . فنزلت هذه الآية . ومناسبة هذه [ ص: 515 ] الآية لما قبلها ظاهر جدا .
والهمزة في : أفغير ؟ للإنكار والتنبيه على الخطأ في التولي والإعراض ، وأضيف الدين إلى الله لأنه تعالى هو الذي شرعه وتعبد به الخلق ، ومعنى : تبغون ، تطلبون ، وهو هنا بمعنى : تدينون ; لأنهم متلبسون بدين غير دين الله لا طالبوه ، وعبر بالطلب إشعارا بأنهم في كل الوقت باحثون عنه ، ومستخرجوه ومبتغوه . وقال الماتريدي : ( فإن قيل ) كل عاقل يبتغي دين الله ، ويدعي أن الذي هو عليه دين الله . قيل : الجواب من وجهين . أحدهما : أنه لما قصر في الطلب جعل في المعنى كأنه باغ غير دين الله ، إذ لو كان باغيا لبالغ في الطلب من الوجه الذي يوصل إليه منه ، فكأنه ليس باغيا من حيث المعنى ، ولكنه من حيث الصورة .
والثاني : أنه قد بان للبعض في الابتغاء ما هو الحق لظهور الحجج والآيات ، ولكن أبى إلا العناد ، فهو باغ غير دين الله ، فتكون الآية في المعاندين انتهى كلامه .
وقرأ أبو عمرو ، وحفص ، وعياش ، ويعقوب ، وسهل : يبغون ، بالياء على الغيبة ، وينسبها ابن عطية لأبي عمرو ، وعاصم بكماله . وقرأ الباقون : بالتاء ، على الخطاب ، فالياء على نسق : هم الفاسقون ، والتاء على الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ، والفاء لعطف هذه الجملة على ما قبلها ، وقدمت الهمزة اعتناء بالاستفهام . والتقدير : فأغير ؟ وجوز هذا الوجه ، وهو قول جميع النحاة قبله . قال : ويجوز أن يعطف على محذوف تقديره : أيتولون فغير دين الله يبغون انتهى . وقد تقدم ذكر هذا والكلام على مذهبه في ذلك ، وأمعنا الكلام عليه في كتاب ( التكميل ) من تأليفنا . الزمخشري
وانتصب : غير على أنه مفعول " يبغون " ، وقدم على فعله ; لأنه أهم من حيث إن الإنكار الذي هو معنى الهمزة متوجه إلى المعبود بالباطل ، قاله . ولا تحقيق فيه ; لأن الإنكار الذي هو معنى الهمزة لا يتوجه إلى الذوات ، إنما يتوجه إلى الأفعال التي تتعلق بالذوات ، فالذي أنكر إنما هو الابتغاء الذي متعلقه غير دين الله ، وإنما جاء تقديم المفعول هنا من باب الاتساع ، وشبه : يبغون ، بالفاصلة بآخر الفعل . الزمخشري
( وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها ) أسلم عند الجمهور : استسلم وانقاد ، قال : أسلم طوعا بحالته الناطقة عند أخذ الميثاق عليه ، وكرها عند دعاء الأنبياء لهم إلى الإسلام . وقال ابن عباس مجاهد : سجود ظل المؤمن طائعا ، وسجود ظل الكافر كارها . كما قال تعالى : ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال ) وقال مجاهد أيضا ، وأبو العالية ، ما يقارب معناه : أسلم أقر بالخالقية والعبودية ، وإن كان فيهم من أشرك في العبادة ، فمن أشرك أسلم كرها . ومن أخلص أسلم طوعا . وقال والشعبي الحسن : أسلم قوم طوعا ، وقوم خوف السيف . وقال : أسلم من في السماوات طوعا وكذلك مطر الوراق الأنصار ، و بنو سليم ، و عبد القيس ، وأسلم سائر الناس كرها حذر القتال والسيف . وأسلم على هذا القول في ضمنه الإيمان . وقال قتادة : الإسلام كرها هو إسلام الكافر عند الموت والمعاينة حيث لا ينفعه . وقال ابن عطية : ويلزم على هذا أن كل كافر يفعل ذلك ، وهذا غير موجود إلا في أفراد انتهى . وقال عكرمة : طوعا باضطرار الحجة . وقال : طوعا بالنظر في الأدلة ، والإنصاف من نفسه ، وكرها بالسيف ، أو بمعاينة ما يلجئ إلى الإسلام ، كنتق الجبل على الزمخشري بني إسرائيل ، وإدراك الغرق فرعون ، والإشفاء على الموت ( فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده ) انتهى . فلفق تفسير : طوعا ، من قول الزمخشري عكرمة ، وتفسير قوله : وكرها ، من قول ، وقول مطر الوراق قتادة . وقال الكلبي : طوعا بالولادة على الإسلام ، وكرها بالسيف .
وقال ابن كيسان : المعنى : وله خضع من في السماوات والأرض ، فيما صورهم فيه ودبرهم عليه ، وما يحدث فيهم فهم لا يمتنعون عليه كرهوا ذلك ، أو أحبوه ، رضوا بذلك أو سخطوه ; وهذا معنى قول : إن الإسلام هنا الخضوع [ ص: 516 ] لنفوذ أمره في جبلتهم ، لا يقدر أحد أن يمتنع مما جبل عليه ، ولا أن يغيره ، والذي يظهر عموم من في السماوات ، وخصوص من في الأرض . والطوع هو الذي لا تكلف فيه ، والكره ما فيه مشقة ، فإسلام من في السماوات طوع صرف ; إذ هم خالون من الشهوات الداعية إلى المخالفة ، وإسلام من في الأرض ، من كان منهم معصوما كان طوعا ، ومن كان غير معصوم كان كرها ، بمعنى أنه في مشقة ; لأن التكاليف جاءت على مخالفة الشهوات النفسانية ، فلو لم يأت رسول من الله مبشر بالثواب ، ومنذر بالعقاب ، لم يلتزم الإنسان شيئا من التكاليف . الزجاج
وهذه الأقوال لا تخرج أسلم فيها عن أن يحمل على الاستسلام ، وعلى الاعتقاد ، وعلى الإقرار باللسان ، وعلى التزام الأحكام . وقد قيل بهذا كله .
والجملة من قوله : ( وله أسلم ) حالية . وطوعا وكرها ، مصدران في موضع الحال ، أي : طائعين وكارهين . وقيل : هما مصدران على خلاف الصدر . وقرأ : كرها بضم الكاف ، والجمهور بفتحها . الأعمش
( وإليه يرجعون ) تهديد عظيم لمن اتبع وابتغى غير دين الله ، وتقدم معنى الرجوع إليه ، ويحتمل أن يكون قد عطف على قوله : ( وله أسلم ) فيكون مشاركا له في الحالية ، وكأنه نعى عليهم ابتغاء غير دين من انقاد إليه المكلفون كلهم ومن إليه مرجعهم ، فيجازيهم على أعمالهم . والمعنى : أن من كان بهاتين الصفتين لا يبتغي دينا غير دينه ، ويحتمل أن يكون استئنافا ، وإخبارا بأنه تعالى إليه مصيرهم ، ومنقلبهم فيجازيهم بأعمالهم .
وقرأ حفص ، وعباس ، ويعقوب ، وسهل : يرجعون ، بالياء على الغيبة ، فيحتمل أن يكون عائدا على من أسلم ، ويحتمل أن يكون عائدا على غير ضمير " يبغون " ، فيكون على سبيل الالتفات على قراءة من قرأ : تبغون بالتاء ; إذ يكون قد انتقل من خطاب إلى غيبة . وقرأ الباقون : بالتاء ، فإن عاد الضمير على من كان التفاتا ، أو على ضمير تبغون ، كان التفاتا على قراءة من قرأ : يبغون بالياء ، أو يكون قد انتقل من غيبة إلى خطاب .
( وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ) هذه الآية موافقة لما في البقرة إلا في : قل ، وفي : علينا ، وفي : عيسى والنبيون ، وقد تقدم شرح ما في البقرة ، فأغنى عن إعادته هنا ، إلا ما وقع فيه الخلاف ، فنقول : الظاهر في قل أنه خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يخبر عن نفسه ، وعن أمته بقوله : آمنا به ، ويقوي أنه إخبار عنه وعن أمته قوله أخيرا : ونحن له مسلمون . وأفرده بالخطاب بقوله : قل ; لأنه تقدم ذكره في أخذ الميثاق في قوله : ثم جاءكم رسول ، فعينه في هذا التكليف ليظهر فيه كونه مصدقا لما مع الأنبياء الذين أخذ عليهم الميثاق . وقال : آمنا ، تنبيها على أن هذا التكليف ليس من خواصه ، بل هو لازم لكل المؤمنين . قال تعالى : كل آمن بالله ) بعد قوله : ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون ) .
قال ويجوز أن يؤمر بأن يتكلم عن نفسه كما يتكلم الملوك ; إجلالا من الله لقدر نبيه ، وقال الزمخشري ابن عطية : المعنى قل يا محمد ، أنت وأمتك آمنا بالله ، فيظهر من كلام ابن عطية أن ثم معطوفا حذف ، وأن ثم الأمر متوجه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته . وأما تعدية " أنزل " هنا بـ " على " ، وفي البقرة بـ " إلى " ، فقال ابن عطية : الإنزال على نبي الأمة إنزال عليها .
وقال : ( فإن قلت ) لم عدى " أنزل " في هذه الآية بحرف الاستعلاء ، وفيما تقدم من مثلها بحرف الانتهاء ؟ . الزمخشري
( قلت ) لوجود المعنيين جميعا ; لأن الوحي ينزل من فوق ، وينتهي إلى الرسل ، فجاء تارة بأحد المعنيين ، وأخرى بالآخر . وقال الراغب : إنما قال هنا : على ; لأن ذلك لما كان خطابا للنبي - صلى الله عليه وسلم - وكان واصلا إليه من الملأ الأعلى بلا واسطة بشر ، كان لفظ " على " المختص بالعلو أولى به ، وهناك لما كان خطابا للأمة ، وقد [ ص: 517 ] وصل إليهم بواسطة النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لفظ " إلى " ، المختص بالإيصال أولى ، ويجوز أن يقال : أنزل عليه ، إنما على ما أمر المنزل عليه أن يبلغ غيره ، وأنزل إليه على ما خص به في نفسه . وإليه نهاية الإنزال ، وعلى ذلك قال : ( أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ) . وقال : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ) خص هنا بـ " إلى " لما كان مخصوصا بالذكر ، الذي هو بيان المنزل ، وهذا كلام في الأولى ، لا في الوجوب انتهى كلامه .
وذكر أن من قال هذا الفرق فقد تعسف ، قال : ألا ترى إلى قوله : ( الزمخشري بما أنزل إليك ) ( وأنزلنا إليك الكتاب ) وإلى قوله : ( آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا ) ؟ انتهى . وأما إعادة لفظ : وما أوتي ; فلأنه لما كان لفظ الخطاب عاما ، ومن حكم خطاب العام البسط دون الإيجاز ، ولما كان الخطاب هنا خاصا اكتفى فيه بالإيجاز .
( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ) الإسلام هنا قيل : هو الاستسلام إلى الله ، والتفويض إليه ، وهو مطلوب في كل زمان ومكان وشريعة ، ولذلك فسره بالتوحيد وإسلام الوجه لله . وقيل : المراد بالإسلام شريعة الزمخشري محمد - صلى الله عليه وسلم - بين تعالى أن من تحرى بعد مبعثه شريعة غير شريعته فغير مقبول منه ، وهو الدين الذي وافق في معتقداته دين من ذكر من الأنبياء .
قيل : وعن لما نزلت : ( ابن عباس إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى ) الآية ، أنزل الله بعدها : ( ومن يبتغ ) الآية . وهذا إشارة إلى نسخ ( إن الذين آمنوا ) . وعن عكرمة : لما نزلت قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم : قد أسلمنا قبلك ونحن المسلمون ، فقال الله له : حجهم يامحمد ، وأنزل ( ولله على الناس حج البيت ) فحج المسلمون ، وقعد الكفار .
وقيل : نزلت في الحرث بن سويد ، وستأتي قصته بعد هذا . وقبول العمل هو رضاه وإثابة فاعله عليه . وانتصب دينا على التمييز : لـ " غير " ; لأن " غير " مبهمة ، ففسرت بدين ، كما أن مثلا مبهمة فتفسر أيضا . وهذا كقولهم : لنا غيرها إبلا وشاء ، ومفعول " يبتغ " هو : غير ، وقيل : " دينا " مفعول ، وغير : منصوب على الحال ; لأنه لو تأخر كان نعتا وقيل : " دينا " بدل من " غير " ، والجمهور على إظهار الغينين ، وروي عن أبي عمرو الإدغام .
( وهو في الآخرة من الخاسرين ) الخسران في الآخرة هو حرمان الثواب وحصول العقاب ، شبه في تضييع زمانه في الدنيا باتباع غير الإسلام بالذي خسر في بضاعته ، ويحتمل أن تكون هذه الجملة قد عطفت على جواب الشرط ، فيكون قد ترتب على ابتغاء غير الإسلام دينا ، عدم القبول والخسران ، ويحتمل أن لا تكون معطوفة عليه بل هي استئناف إخبار عن حاله في الآخرة .
و " في الآخرة " متعلق بمحذوف يدل عليه ما بعده ، أي : وهو خاسر في الآخرة ، أو : بإضمار " أعني " ، أو : بـ " الخاسرين " على أن الألف واللام ليست موصولة ، بل للتعريف ، كهي في الرجل ، أو به على أنها موصولة ، وتسومح في الظرف والمجرور ; لأنه يتسع فيهما ما لا يتسع في غيرهما ، وكل منقول ، وقد تقدم لنا نظيره .
( والله لا يهدي القوم الظالمين كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات ) نزلت في أهل الكتاب ، آمنوا بالتوراة والإنجيل ، وفيهما ذكر محمد - صلى الله عليه وسلم - فغيروه وكفروا بعد إيمانهم بنبوته ، قاله الحسن وروى عطية قريبا منه عن . وقال ابن عباس مقاتل : في عشرة رهط ارتدوا فيهم الحرث بن سويد الأنصاري ، فندم ورجع ، ورواه أبو صالح عن ، وذكر ابن عباس مجاهد ، والسدي : أن الحرث كان يظهر الإسلام ، فلما كان يوم أحد قتل المجدر بن زياد بدم كان له عليه ، وقتل زيد بن قيس ، وارتد ولحق بالمشركين ، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر أن يقتله إن ظفر به ، ففاته ، ثم بعث إلى أخيه من مكة يطلب التوبة ، فنزلت إلى قوله : ( إلا الذين تابوا ) فكتب بها قومه ، إليه فرجع تائبا .
ورواه عكرمة عن ، ولم يسمه ، ولم يذكر سوى أنه رجل من [ ص: 518 ] ابن عباس الأنصار ارتد ، فلحق بالمشركين ، وخرجه عن النسائي مطولا . وقيل : لحق ابن عباس بالروم . وقيل : ارتد الحرث في أحد عشر رجلا ، وسمى منهم : الزمخشري طعمة بن أبيرق ، والحرث بن سويد بن الصامت ، ووحوح بن الأسلت ، وذكر عكرمة أنهم كانوا اثني عشر ، وسمى منهم : أبا عامر الراهب ، والحرث ووجوها . وقال النقاش : نزلت في طعمة بن أبيرق . ألفاظ الآية تعم كل من ذكر وغيرهم . وقيل : هي في عامة المشركين . وقال مجاهد : حمل الآيات إلى الحرث رجل من قومه فقرأها عليه ، فقال له الحرث : إنك والله ما علمت لصدوق ، وإن رسول الله لأصدق منك ، وإن الله تعالى - لأصدق الثلاثة . قال فرجع الحرث فأسلم وحسن إسلامه .
كيف : سؤال عن الأحوال ، وهي هنا للتعجيب والتعظيم ; لكفرهم بعد الإيمان ، أي : كيف يستحق الهداية من أتى بما ينافيها بعد التباسه بها ، ووضوحها له ؟ فاستبعد حصولها لهم مع شدة الجرائم ، كما قال : " " ؟ . كيف تفلح أمة أدمت وجه نبيها
وقال : كيف يلطف بهم ، وليسوا من أهل اللطف لما علم الله من تصميمهم على كفرهم ؟ انتهى . وهذه نزعة اعتزالية ، إذ ليس المعنى عنده أن الله يخلق الهداية فيهم ، كما لا يخلق الضلال فيهم ، بل هما مخلوقان للعبد . الزمخشري
وقيل : الاستفهام هنا يراد به الجحد ، والمعنى : ليس بهدي ، ونظيره قول الشاعر :
فهذي سيوف يا صدي بن مالك كثير ولكن أين بالسيف ضارب ؟
وقول الآخر :
كيف نومي على الفراش ولما يشمل الشام غارة شعواء ؟
والهداية هنا هي إلى الإيمان ، واتباع الحق ، وأبعد من زعم أن المعنى : لا يهديهم إلى الجنة إلا إن تجوز ، فأطلق المسبب على السبب ، لأن دخول الجنة مسبب عن الإيمان ، فيعود إلى القول الأول . وشهدوا : ظاهره أنه معطوف على قوله كفروا ، وبه قال الحوفي ، وابن عطية ، ورده . وقال : لا يجوز عطف : شهدوا ، على : كفروا ; لفساد المعنى ، ولم يبين من أي جهة فساد المعنى ، وكأنه توهم الترتيب ، فلذلك فسد المعنى عنده . وقال مكي ابن عطية : المعنى مفهوم أن الشهادة قبل الكفر ، والواو لا ترتب ، وأجاز قوم منهم مكي أن يكون معطوفا على ما في إيمانهم من معنى الفعل ، إذ المعنى : بعد أن آمنوا وشهدوا . وأجاز والزمخشري وغيره أن تكون الواو للحال لا للعطف ، التقدير : كفروا بعد إيمانهم ، وقد شهدوا ، والعامل فيه : كفروا . والرسول هنا الزمخشري محمد - صلى الله عليه وسلم - قاله الجمهور ، وجوز أن يكون الرسول هنا بمعنى الرسالة ، وفيه بعد .
والبينات : هي شواهد القرآن والمعجزات التي تأتي بمثلها الأنبياء . ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) أي : لا يخلق في قلوبهم الهداية . والظالمين : عام معناه الخصوص أي : لا يهدي من قضى عليه بأنه يموت على الكفر . قال ابن عطية : ويحتمل أن يريد الإخبار عن أن الظالم في ظلمه ليس على هدى من الله ، فتجيء الآية عامة تامة العموم انتهى . وهذا المعنى الذي ذكره ينبو عنه لفظ الآية . وقال : الظالمين : المعاندين الذين علم الله أن اللطف لا ينفعهم انتهى . وتفسيره على طريقته الاعتزالية . الزمخشري