نوح : اسم أعجمي مصروف عند الجمهور ، وإن كان فيه ما كان يقتضي منع صرفه ، وهو : العلمية والعجمة الشخصية ; وذلك لخفة البناء بكونه ثلاثيا ساكن الوسط لم يضف إليه سبب آخر ، ومن جوز فيه الوجهين فبالقياس على هذا لا بالسماع ، ومن ذهب إلى أنه مشتق من النواح فقوله ضعيف ، لأن العجمة لا يدخل فيها الاشتقاق العربي إلا أن ادعى أنه مما اتفقت فيه لغة العرب ولغة العجم ، فيمكن ذلك . ويسمى آدم الثاني ، واسمه السكن ، قاله غير واحد ، وهو ابن لملك بن متوشلخ بن أخنوخ بن سارد بن مهلابيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم . عمران : اسم أعجمي ممنوع الصرف للعلمية والعجمة ، ولو كان عربيا لامتنع أيضا للعلمية ، وزيادة الألف والنون ; إذ كان يكون اشتقاقه من العمر واضحا . محررا : اسم مفعول من " حرر " ، ويأتي اختلاف المفسرين ، في مدلوله في الآية ، والتحرير : العتق ، وهو تصيير المملوك حرا . الوضع : الحط والإلقاء ، تقول : وضع يضع وضعا وضعة ، ومنه الموضع . الأنثى والذكر : معروفان ، وألف أنثى للتأنيث ، وجمعت على إناث ، كربى ورباب ، وقياس الجمع : أناثى ، كحبلى وحبالى . وجمع الذكر : ذكور وذكران .
مريم : اسم عبراني ، وقيل عربي جاء شاذا : كمدين ، وقياسه : مرام كمنال ، ومعناه في العربية التي تغازل الفتيان ، قال [ ص: 433 ] الراجز : .
قلت لزيد لم تصله مريمه
عاذ بكذا : اعتصم به ، عوذا وعياذا أو معاذا أو معاذة ومعناه : التجأ واعتصم . وقيل : اشتقاقه من العوذ ، وهو : عوذ يلجأ إليه الحشيش في مهب الريح . رجم : رمى وقذف ، ومنه ( رجما بالغيب ) أي : رميا به من غير تيقن ، والحديث المرجم هو : المظنون ليس فيه يقين .
والرجيم : يحتمل أن يكون للمبالغة من فاعل ، أي : إنه يرمي ويقذف بالشر والعصيان في قلب ابن آدم ، ويحتمل أن يكون بمعنى : مرجوم ، أي يرجم بالشهب أو يبعد ويطرد . الكفالة : الضمان ، يقال : كفل يكفل فهو كافل وكفيل ، هذا أصله ثم يستعار للضم والقيام على الشيء . زكريا : أعجمي شبه بما فيه الألف الممدودة والألف المقصورة فهو ممدود ومقصور ، ولذلك يمتنع صرفه نكرة ، وهاتان اللغتان فيه عند أهل الحجاز ، ولو كان امتناعه للعلمية والعجمة انصرف نكرة . وقد ذهب إلى ذلك أبو حاتم ، وهو غلط منه ، ويقال : ذكرى بحذف الألف ، وفي آخره ياء كياء بختي ، منونة فهو منصرف ، وهي لغة نجد ، ووجهه فيما قال أبو علي ; إنه حذف ياءي الممدود والمقصور ، وألحقه ياءي النسب يدل على ذلك صرفه ، ولو كانت الياءان هما اللتين كانتا في زكريا ; لوجب أن لا يصرف للعجمة والتعريف انتهى كلامه .
وقد حكي : ذكر على وزن : عمر ، وحكاها الأخفش . المحراب : قال أبو عبيدة : سيد المجالس وأشرفها ومقدمها ، وكذلك هو من المسجد ، وقال : الغرفة ؛ وقال : الأصمعي
وماذا عليه إن ذكرت أو أنسا كغزلان رمل في محاريب أقيال
شرحه الشراح في غرف أقيال ، وقال : الموضع العالي الشريف . وقال الزجاج : القصر ، لشرفه وعلوه . وقيل : المسجد . وقيل : محرابه المعهود سمي بذلك ; لتحارب الناس عليه وتنافسهم فيه ، وهو مقام الإمام من المسجد . هنا : اسم إشارة للمكان القريب ، والتزم فيه الظرفية إلا أنه يجر بحرف الجر ، فإن ألحقته كاف الخطاب دل على المكان البعيد . وبنو تميم تقول : هناك ، ويصح دخول حرف التنبيه عليه إذا لم تكن فيه اللام ، وقد يراد بها ظرف الزمان . أبو عمرو بن العلاء
النداء : رفع الصوت ، وفلان أندى صوتا ، أي : أرفع ، ودار الندوة ; لأنهم كانوا ترتفع أصواتهم بها ، والمنتدى والنادي مجتمع القوم منه ، ويقال : نادى مناداة ونداء ونداء ، بكسر النون وضمها ، قيل : فبالكسر المصدر ، وبالضم اسم ، وأكثر ما جاءت الأصوات على الضم : كالدعاء والرغاء والصراخ ، وقال يعقوب : يمد مع كسر النون ، ويقصر مع ضمها . والندى : المطر ، يقال منه : ندى يندى ندى . يحيى : اسم أعجمي امتنع الصرف للعجمة والعلمية ، وقيل : هو عربي ، وهو فعل مضارع من : حيي ، سمي به فامتنع الصرف للعلمية ووزن الفعل ، وعلى القولين يجمع على : يحيون ، بحذف الألف وفتح ما قبلها ، على مذهب الخليل ، ونقل عن وسيبويه الكوفيين : إن كان عربيا فتحت الياء ، وإن كان أعجميا ضمت الياء .
سيد : فيعل من ساد ، أي فاق في الشرف ، وتقدم الكلام في نظير هذا ، وجمعه على فعلة ، فقالوا : سادة ، شاذ . وقال الراغب : هو السايس بسواد الناس ، أي : معظمهم ، ولهذا يقال : سيد العبد ، ولا يقال سيد الثوب انتهى .
الحصور : فعول من الحصر ، وهو للمبالغة من حاصر . وقيل : فعول بمعنى مفعول ، أي : محصور ، وهو في الآية بمعنى الذي لا يأتي النساء . الغلام : الشاب من الناس ، وهو الذي طر شاربه ، ويطلق على الطفل ، على سبيل التفاؤل ، وعلى الكهل . ومنه قول ليلى الأخيلية :
شفاها من الداء العضال الذي بها غلام إذا هز القناة سقاها
تسمية بما كان عليه قبل الكهولة ، وهو من الغلمة والاغتلام ، وذلك شدة طلب النكاح . ويقال : اغتلم الفحل : هاج من شدة شهوة الضراب ، واغتلم البحر : هاج وتلاطمت أمواجه ، وجمعه على غلمة شاذ ، [ ص: 434 ] وقياسه في القلة : أغلمة ، وجمع في الكثرة على : غلمان ، وهو قياسه : الكبر ، مصدر : كبر يكبر من السن قال :
صغيرين نرعى البهم يا ليت إننا إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم
العاقر : من لا يولد له من رجل أو امرأة ، وفعله لازم ، والعاقر اسم فاعل من عقر ؛ أي : قتل ، وهو متعد . الرمز : الإشارة باليد أو بالرأس أو بغيرهما ، وأصله : التحرك ؛ يقال ارتمز : تحرك ومنه قيل للبحر : الراموز . العشي : مفرد عشية كركي . وركية ، والعشية : أواخر النهار ، ولامها واو ، فهي كمطي . الإبكار : مصدر أبكر ، يقال أبكر : خرج بكرة .
( على العالمين إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران ) قال : قالت اليهود : نحن أبناء ابن عباس إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب . ونحن على دينهم ، فنزلت . وقيل : في نصارى نجران لما غلوا في عيسى ، وجعلوه ابن الله تعالى ، واتخذوه إلها ، نزلت ردا عليهم ، وإعلاما أن عيسى من ذرية البشر المتنقلين في الأطوار المستحيلة على الإله ، واستطرد من ذلك إلى ولادة أمه ، ثم إلى ولادته هو ، وهذه مناسبة هذه الآيات لما قبلها . وأيضا . لما قدم قبل : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) ووليه ( قل أطيعوا الله والرسول ) وختمها بأنه ( لا يحب الكافرين ) ذكر المصطفين الذين يحب اتباعهم ، فبدأ أولا بأولهم وجودا وأصلهم ، وثنى بنوح - عليه السلام - إذ هو آدم الأصغر ليس أحد على وجه الأرض إلا من نسله ، ثم أتى ثالثا بآل إبراهيم ، فاندرج فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المأمور باتباعه وطاعته ، وموسى - عليه السلام - ثم أتى رابعا بآل عمران ، فاندرج في آله مريم وعيسى - عليهما السلام ، ونص على آل إبراهيم لخصوصية اليهود بهم ، وعلى آل عمران لخصوصية النصارى بهم ، فذكر تعالى جعل هؤلاء صفوة أي : مختارين نقاوة . والمعنى أنه نقاهم من الكدر . وهذا من تمثيل المعلوم بالمحسوس . .
واصطفاء آدم بوجوه . منها خلقه أول هذا الجنس الشريف ، وجعله خليفة في الأرض ، وإسجاد الملائكة له ، وإسكانه جنته ، إلى غير ذلك مما شرفه به . واصطفاء نوح - عليه السلام - بأشياء ، منها : أنه أول رسول بعث إلى أهل الأرض بتحريم البنات والأخوات والعمات والخالات ، وسائر ذوي المحارم ، وأنه أب الناس بعد آدم وغير ذلك ، واصطفاء آل إبراهيم - عليه السلام - بأن جعل فيهم النبوة والكتاب . قال ، ابن عباس والحسن : آل إبراهيم من كان على دينه . وقال مقاتل : آله إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط . وقيل : المراد بآل إبراهيم إبراهيم نفسه . وتقدم لنا شيء من الكلام على ذلك في قوله : ( وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون ) .
وعمران هذا المضاف إليه : " آل " ، قيل هو : عمران بن ماثان من ولد سليمان بن داود ، وهو أبو مريم البتول ، أم عيسى - عليه السلام ، قاله : الحسن ، ووهب . وقيل : هو عمران أبو موسى وهارون ، وهو عمران بن نصير قاله مقاتل . فعلى الأول آله عيسى ، قاله الحسن ، وعلى الثاني آله موسى وهارون ، قاله مقاتل . وقيل : المراد بآل عمران عمران نفسه ، والظاهر في عمران أنه أبو مريم لقوله بعد ( إذ قالت امرأة عمران ) فذكر قصة مريم وابنها عيسى ، ونص على أن الله اصطفاها بقوله ( قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك ) فقوله : ( إذ قالت امرأة عمران ) كالشرح لكيفية الاصطفاء ، لقوله : وآل عمران ، وصار نظير تكرار الاسم في جملتين ، فيسبق الذهن إلى أن الثاني هو الأول ، نحو : أكرم زيدا رجل صالح . وإذا كان المراد بالثاني غير الأول ، كان في ذلك إلباس على السامع . وقد رجح القول الآخر بأن موسى يقرن بإبراهيم كثيرا في الذكر ، ولا يتطرق الفهم إلى أن عمران الثاني هو أبو موسى وهارون ، وإن كانت له بنت تسمى مريم ، وكانت أكبر من موسى وهارون سنا ، للنص على أن مريم بنت عمران بن ماثان ولدت عيسى ، وأن زكريا كفل مريم أم عيسى ، وكان زكريا قد تزوج أخت مريم إمشاع ابنة عمران بن [ ص: 435 ] ماثان ، فكان يحيى وعيسى ابني خالة ، وبين العمرانين والمريمين أعصار كثيرة . قيل : بين العمرانين ألف سنة ، وثمانمائة سنة .
والظاهر : أن الآل : من يئول إلى الشخص في قرابة أو مذهب ، والظاهر أنه نص على هؤلاء هنا في الاصطفاء للمزايا التي جعلها الله تعالى فيهم . وذهب قاضي القضاة بالأندلس ، رحمه الله ورضى عنه ، إلى أن ذكر أبو الحكم منذر بن سعيد البلوطي آدم ونوح تضمن الإشارة إلى المؤمنين من بينهما ، وأن الآل الأتباع ، فالمعنى أن الله اصطفى المؤمنين على الكافرين ، وخص هؤلاء بالذكر تشريفا لهم ، ولأن الكلام في قصة بعضهم . انتهى ما قال ملخصا ، وقوله شبيه في المعنى بقول من تأول قوله " آدم " ، وما بعده على حذف مضاف ، أي : أن الله اصطفى دين آدم . وروي معناه عن ، قال : المراد اصطفى دينهم على سائر الأديان ، واختاره ابن عباس الفراء . وقال التبريزي : هذا ضعيف ; لأنه لو كان ثم مضاف محذوف لكان : ونوح مجرورا ، لأن آدم محله الجر بالإضافة ، وهذا الذي قاله التبريزي ليس بشيء ، ولولا تسطيره في الكتب ما ذكرته . لأنه لا يلزم أن يجر المضاف إليه إذا حذف المضاف ، فيلزم جر ما عطف عليه ، بل يعرب المضاف إليه بإعراب المضاف المحذوف . ألا ترى إلى قوله ( واسأل القرية ) ؟ وأما إقراره مجرورا فلا يجوز إلا بشرط ذكر في علم النحو .
( على العالمين ) متعلق بـ " اصطفى " ، ضمنه معنى فضل ، فعداه بعلى . ولو لم يضمنه معنى فضل لعدي بمن . قيل : والمعنى على عالمي زمانهم ، واللفظ عام ، والمراد به الخصوص كما قال جرير :
ويضحى العالمون له عيالا
وقال الحطيئة :
أراح الله منك العالمينا
وكما تئول في ( وأني فضلتكم على العالمين ) . وقال القتبي : لكل دهر عالم ، ويمكن أن يخص بمن سوى هؤلاء ، ويكون قد اندرج في قوله : " وآل إبراهيم " محمد ، فيكون المعنى أن هؤلاء فضلوا على من سواهم من العالمين . واشتراكهم في القدر المشترك من التفضيل لا يدل على التساوي في مراتب التفضيل ، كما تقول : زيد وعمر وخالد أغنياء ، فاشتراكهم في القدر المشترك من الغنى ، لا يدل على التساوي في مراتب الغنى ، وإذا حملنا : العالمين ، على من سوى هؤلاء ، كان في ذلك دلالة على تفضيل البشر على الملائكة ; لأنهم من سوى هؤلاء المصطفين ، وقد استدل بالآية على ذلك . ولا يمكن حمل العالمين ، على عمومه لأجل التناقض ; لأن الجمع الكثير إذا وصفوا بأن كل واحد منهم أفضل من كل العالمين ، يلزم كل واحد منهم أن يكون أفضل من الآخر ، وهو محال . وقرأ عبد الله : وآل محمد على العالمين .
( ذرية بعضها من بعض ) أجازوا في نصب : " ذرية " ، وجهين : أحدهما : أن يكون بدلا . قال : من الزمخشري آل إبراهيم و آل عمران ؛ يعني أن الآلين ذرية واحدة ، وقال غيره بدل من نوح ، ومن عطف عليه من الأسماء . قال أبو البقاء : ولا يجوز أن يكون بدلا من آدم ; لأنه ليس بذرية انتهى . وقال ابن عطية : لا يسوغ أن تقول في والد هذا ذرية لولده . وقال الراغب : الذرية يقال للواحد والجمع والأصل والنسل . كقوله : ( حملنا ذريتهم ) أي آباءهم ، ويقال للنساء : الذراري . وقال صاحب النظم : الآية توجب أن تكون الآباء ذرية للأبناء ، والأبناء ذرية للآباء ، وجاز ذلك ; لأنه من : ذرأ الله الخلق ، فالأب ذرئ منه الولد ، والولد ذرئ من الأب . وقال معناه النقاش ، فعلى قول الراغب وصاحب النظم يجوز أن يكون : " ذرية " ، بدلا من : آدم ، ومن عطف عليه . وأجازوا أيضا نصب " ذرية " ، على الحال ، وهو الوجه الثاني من الوجهين ، ولم يذكره ، وذكره الزمخشري ابن عطية . وقال : وهو أظهر من البدل . وتقدم الكلام على ذرية دلالة واشتقاقا ووزنا ، فأغنى عن إعادته .