[ ص: 416 ] غر ، يغر ، غرورا : خدع والغر : الصغير ، والغريرة : الصغيرة ، سميا بذلك لأنهما ينخدعان بالعجلة ، والغرة منه يقال : أخذه على غرة ، أي : تغفل وخداع ، والغرة : بياض في الوجه ، يقال منه : وجه أغر ، ورجل أغر ، وامرأة غراء . والجمع على القياس فيهما غر . قالوا : وليس بقياس ، وغران . قال الشاعر :
ثياب بني عوف طهارى نقية وأوجههم عند المشاهد غران
نزع ينزع : جذب ، وتنازعنا الحديث تجاذبناه ، ومنه : نزاع الميت ، ونزع إلى كذا : مال إليه وانجذب ، ثم يعبر به عن الزوال ، يقال : نزع الله عنه الشر : أزاله .
ولج يلج ولوجا ولجة وولجا ، وولج تولجا ، واتلج اتلاجا ؛ قال الشاعر :
فإن القوافي يتلجن موالجا تضايق عنها أن تولجها الإبر
الأمد : غاية الشيء ، ومنتهاه ، وجمعه آماد .
اللهم : هو الله ، إلا أنه مختص بالنداء فلا يستعمل في غيره ، وهذه الميم التي لحقته عند البصريين هي عوض من حرف النداء ، ولذلك لا تدخل عليه إلا في الضرورة . وعند الفراء : هي من قوله : يا الله أمنا بخير ، وقد أبطلوا هذا النصب في علم النحو ، وكبرت هذه اللفظة حتى حذفوا منها : أل ، فقالوا : لا هم ، بمعنى : اللهم . قال الزاجر :
لا هم إني عامر بن جهم أحرم حجا في ثياب دسم
وخففت ميمها في بعض اللغات قال :
كحلفة من أبي رياح يسمعها اللهم الكبار
الصدر : معروف ، وجمعه : صدور .
( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ) قال : السدي دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - اليهود إلى الإسلام ، فقال له النعمان بن أبي أوفى : هلم نخاصمك إلى الأحبار ، فقال : " بل إلى كتاب الله " . فقال : بل إلى الأحبار . فنزلت . وقال : ابن عباس دخل - صلى الله عليه وسلم - إلى المدارس على اليهود ، فدعاهم إلى الله ، فقال نعيم بن عمرو ، والحارث بن زيد : على أي دين أنت يا محمد ؟ فقال : " على ملة إبراهيم " . قالا : إن إبراهيم كان يهوديا . فقال : " فهلموا إلى التوراة " . فأبيا عليه ، فنزلت . وقال الكلبي : ابن صوريا يده على آية الرجم ، فقال : جاوزها يا رسول الله ، فأظهرها فرجما عبد الله بن سلام . زنى رجل منهم بامرأة ، ولم يكن بعد في ديننا الرجم ، فتحاكموا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تخفيفا للزانيين لشرفهما ، فقال : " إنما أحكم بكتابكم " . فأنكروا الرجم ، فجيء بالتوراة ، فوضع حبرهم
وقال النقاش : نزلت في جماعة من اليهود أنكروا نبوته ، فقال لهم : " " . وقال هلموا إلى التوراة ففيها صفتي مقاتل : دعا جماعة من اليهود إلى الإسلام ، فقالوا : نحن أحق بالهدى منك ، وما أرسل الله نبيا إلا من بني إسرائيل ، قال : " فأخرجوا التوراة فإني مكتوب فيها أني نبي " فأبوا ، فنزلت ( والذين أوتوا نصيبا من الكتاب ) هم اليهود ، والكتاب التوراة . وقال وغيره : اللوح المحفوظ ، وقيل : ( مكي من الكتاب ) جنس للكتب المنزلة ، قاله ابن عطية ، وبدأ به ومن : تبعيض . وفي قوله : نصيبا ، أي : طرفا ، وظاهر بعض الكتاب ، وفي ذلك إذ هم لم يحفظوه ، ولم يعلموا جميع ما فيه . الزمخشري
( يدعون إلى كتاب الله ) هو : التوراة ، وقال الحسن ، وقتادة ، : القرآن . ويدعون : في موضع الحال من الذين ، والعامل : تر ، والمعنى : ألا تعجب من هؤلاء مدعوين إلى كتاب الله ؟ أي : في حال أن يدعوا إلى كتاب الله ( وابن جريج ليحكم بينهم ) أي : ليحكم الكتاب . وقرأ الحسن ، وأبو جعفر ، وعاصم الجحدري : ليحكم ، مبنيا للمفعول [ ص: 417 ] والمحكوم فيه هو ما ذكر في سبب النزول .
( ثم يتولى فريق منهم ) هذا استبعاد لتوليهم بعد علمهم ; بأن الرجوع إلى كتاب الله واجب ، ونسب التولي إلى فريق منهم ، لا إلى جميع المبعدين ، لأن منهم من أسلم ولم يتول كابن سلام وغيره .
( وهم معرضون ) جملة حالية مؤكدة ; لأن التولي هو الإعراض ، أو مبينة لكون التولي عن الداعي والإعراض عما دعا إليه ، فيكون المتعلق مختلفا ، أو لكون التولي بالبدن والإعراض بالقلب ، أو لكون التولي من علمائهم والإعراض من أتباعهم ، قاله . أو جملة مستأنفة أخبر عنهم بأنهم قوم لا يزال الإعراض عن الحق وأتباعه من شأنهم وعادتهم ، وفي قوله : ( بينهم ) دليل على أن المتنازع فيه كان بينهم واقعا لا بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو خلاف ما ذكر في أسباب النزول ، فإن صح سبب منها كان المعنى : ليحكم بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن لم يصح حمل على الاختلاف الواقع بين من أسلم من أحبارهم ، وبين من لم يسلم ، فدعوا إلى التوراة التي لا اختلاف في صحتها عندكم ; ليحكم بين المحق والمبطل ، فتولى من لم يسلم . قيل : وفي هذه الآية دليل على صحة نبوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنهم ولولا علمهم بما ادعاه في كتبهم من نعته وصحة نبوته ، لما أعرضوا وتسارعوا إلى موافقة ما في كتبهم ، حتى ينبئوا عن بطلان دعواه . وفيها دليل على أن من دعاه خصمه إلى الحكم الحق لزمته إجابته ; لأنه دعاه إلى كتاب الله ، ويعضده : ( ابن الأنباري وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون ) .
قال القرطبي : وإذا دعي إلى كتاب الله وخالف تعين زجره بالأدب على قدر المخالف والمخالف . وهذا الحكم جار عندنا بالأندلس وبلاد المغرب ، وليس بالديار المصرية . قال ابن خويزمنداد المالكي : واجب على من دعي إلى مجلس الحكم أن يجيب ما لم يعلم أن الحاكم فاسق .
( ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات ) الإشارة بذلك إلى التولي ، أي : ذلك التولي بسبب هذه الأقوال الباطلة ، وتسهيلهم على أنفسهم العذاب ، وطمعهم في الخروج من النار بعد أيام قلائل . وقال : كما طمعت الجبرية والحشوية . الزمخشري
( وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ) من أن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم ، كما غرى أولئك بشفاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كبائرهم انتهى كلامه . وهو على عادته من اللهج بسب أهل السنة والجماعة ، ورميهم بالتشبيه ، والخروج إلى الطعن عليهم بأي طريق أمكنه . وتقدم تفسير هذه الأيام المعدودات ، في سورة البقرة فأغنى عن إعادته هنا ، إلا أنه جاء هناك : معدودة ، وهنا : معدودات ، وهما طريقان فصيحان تقول : جبال شامخة ، وجبال شامخات . فتجعل صفة جمع التكسير للمذكر الذي لا يعقل تارة لصفة الواحدة المؤنثة ، وتارة لصفة المؤنثات . فكما تقول : نساء قائمات ، كذلك تقول : جبال راسيات ، وذلك مقيس مطرد فيه .
( وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ) قال مجاهد : الذي افتروه هو قولهم : ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودات ) وقال قتادة : قولهم : نحن أبناء الله وأحباؤه . وقيل : ( لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) . وقيل : مجموع هذه الأقوال . وارتفع : ذلك ، بالابتداء ، وبأنهم : هو الخبر ، أي ذلك الإعراض والتولي كائن لهم وحاصل بسبب هذا القول ، وهو قولهم : إنهم لا تمسهم النار إلا أياما قلائل ، يحصرها العدد . وقيل : خبر مبتدأ محذوف ، أي : شأنهم ذلك ، أي التولي والإعراض ، قاله . وعلى هذا يكون : بأنهم ، في موضع الحال ، أي : مصحوبا بهذا القول ، وما في : ما كانوا ، موصولة ، أو مصدرية . الزجاج
( فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ) هذا تعجيب من حالهم ، واستعظام لعظم مقالتهم حين اختلفت مطامعهم ، وظهر كذب دعواهم ; إذ صاروا إلى عذاب ما لهم حيلة في دفعه ، كما قال تعالى : ( تلك أمانيهم ) هذا الكلام يقال عند التعظيم لحال الشيء ، فكيف إذا توفتهم الملائكة ؟ وقال الشاعر :
[ ص: 418 ]
فكيف بنفس كلما قلت أشرفت على البرء من دهماء هيض اندمالها
وقال :
فكيف وكل ليس يعدو حمامه وما لامرئ عما قضى الله مرحل
وانتصاب : فكيف ، قيل على الحال ، والتقدير : كيف يصنعون ؟ وقدره الحوفي : كيف يكون حالهم ؟ فإن أراد كان التامة كانت في موضع نصب على الحال ، وإن كانت الناقصة كانت في موضع نصب على خبر كان ، والأجود أن تكون في موضع رفع خبر لمبتدأ محذوف ، يدل عليه المعنى : التقدير : كيف حالهم ؟ والعامل في : إذا ، ذلك الفعل الذي قدره ، والعامل في : كيف ، إذا كانت خبرا عن المبتدأ إن قلنا إن انتصابها انتصاب الظروف ، وإن قلنا إنها اسم غير ظرف ، فيكون العامل في : إذا ، المبتدأ الذي قدرناه ، أي : فكيف حالهم في ذلك الوقت ؟ وهذا الاستفهام لا يحتاج إلى جواب ، وكذا أكثر استفهامات القرآن ; لأنها من عالم الشهادة ، وإنما استفهامه تعالى تقريع . واللام ، تتعلق : بجمعناهم ، والمعنى : لقضاء يوم وجزائه ، كقوله : ( إنك جامع الناس ليوم ) قال النقاش : اليوم ، هنا الوقت ، وكذلك : ( أياما معدودات ) و ( في يومين ) و ( في أربعة أيام ) إنما هي عبارة عن أوقات ، فإنما الأيام والليالي عندنا في الدنيا . وقال ابن عطية : الصحيح في يوم القيامة أنه يوم ، لأنه قبله ليلة وفيه شمس . ومعنى : ( لا ريب فيه ) أي في نفس الأمر ، أو عند المؤمن ، أو عند المخبر عنه ، أو حين يجمعهم فيه ، أو معناه : الأمر خمسة أقوال .
( ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ) تقدم تفسير مثل هذا في البقرة ، آخر آيات الربا .
( قل اللهم مالك الملك ) قال الكلبي : ظهرت صخرة في الخندق ، فضربها - صلى الله عليه وسلم - فبرق برق فكبر ، وكذا في الثانية والثالثة ، فقال : " في الأولى : قصور العجم ، وفي الثانية : قصور الروم . وفي الثالثة : قصور اليمن . فأخبرني جبريل - عليه السلام : أن أمتي ظاهرة على الكل " . فعيره المنافقون بأنه يضرب المعول ، ويحفر الخندق فرقا ، ويتمنى ملك فارس والروم ، فنزلت . اختصره السجاوندي هكذا ، وهو سبب مطول جدا .
وقال : لما فتحت مكة ، كبر على المشركين ، وخافوا فتح العجم ، فقال ابن عباس عبد الله بن أبي : هم أعز وأمنع ، فنزلت . وقال ، ابن عباس وأنس : لما فتح - صلى الله عليه وسلم - مكة ، وعد أمته ملك فارس والروم ، فنزلت . وقيل : بلغ ذلك اليهود فقالو : هيهات هيهات فنزلت ، فذلوا وطلبوا المواصمة . وقال الحسن : سأل - صلى الله عليه وسلم - ملك فارس والروم لأمته ، فنزلت على لفظ النهي . وروي نحوه عن قتادة أنه ذكر له ذلك . وقال أبو مسلم الدمشقي : قالت اليهود : والله لا نطيع رجلا جاء بنقل النبوة من بني إسرائيل إلى غيرهم ، فنزلت . وقيل : نزلت ردا على نصارى نجران في قولهم : إن عيسى هو الله ، وليس فيه شيء من هذه الأوصاف .
والملك هنا ظاهره السلطان والغلبة ، وعلى هذا التفسير جاءت أسباب النزول . وقال مجاهد : الملك النبوة ، وهذا يتنزل على نقل أبي مسلم في سبب النزول . وقيل : المال والعبيد ، وقيل : الدنيا والآخرة .
وقال : مالك العباد وما ملكوا . وقال الزجاج : أي : تملك جنس الملك ; فتتصرف فيه تصرف الملاك فيما يملكون . وقال معناه الزمخشري ابن عطية ، وقد تكلم في لفظة : اللهم ، من جهة النحو ، فقال : أجمعوا على أنها مضمومة الهاء ، مشددة الميم المفتوحة ، وأنها منادى انتهى . وما ذكر من الإجماع على تشديد الميم . قد نقل الفراء تخفيف ميمها في بعض اللغات ، قال : وأنشد بعضهم :
كحلفة من أبي رياح يسمعها اللهم الكبار
قال الراد عليه : تخفيف الميم خطأ فاحش خصوصا عند الفراء ، لأن عنده هي التي في أمنا ، إذ لا يحتمل التخفيف أن تكون الميم فيه بقية " أمنا " . قال : والرواية الصحيحة " يسمعها لاهه الكبار " انتهى . وإن [ ص: 419 ] صح هذا البيت عن العرب كان فيه شذوذ آخر من حيث استعماله في غير النداء ، ألا ترى أنه جعله في هذا البيت فاعلا بالفعل الذي قبله ؟ قال : هذه الميم تجمع سبعين اسما من أسمائه . وقال أبو رجاء العطاردي : من قال اللهم فقد دعا الله بجميع أسمائه كلها . وقال النضر بن شميل الحسن : اللهم : مجمع الدعاء . ومعنى قول النضر : إن اللهم هو الله زيدت فيه الميم ، فهو الاسم العلم المتضمن لجميع أوصاف الذات ، لأنك إذا قلت : جاء زيد ، فقد ذكرت الاسم الخاص ، فهو متضمن جميع أوصافه التي هي فيه من شهلة أو طول أو جود أو شجاعة ، أو أضدادها وما أشبه ذلك .
وانتصاب : مالك الملك ، على أنه منادى ثان أي : يا مالك الملك ، ولا يوصف اللهم عند ، وأجاز سيبويه أبو العباس وأبو إسحاق وصفه ، فهو عندهما صفة " للاهم " ، وهي مسألة خلافية يبحث عنها في علم النحو .
( تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ) الظاهر أن الملك هو السلطان والغلبة ، كما أن ظاهر الملك الأول كذلك ، فيكون الأول عاما ، وهذان خاصين . والمعنى : إنك تعطي من شئت قسما من الملك ، وتنزع ممن شئت قسما من الملك ، وقد فسر الملك هنا بالنبوة أيضا ، ولا يتأتى هذا التفسير في : تنزع الملك ، لأن الله لم يؤت النبوة لأحد ثم نزعها منه إلا أن يكون تنزع مجازا بمعنى : تمنع النبوة ممن تشاء ، فيمكن .
وقال أبو بكر الوراق : هو ملك النفس ومنعها من اتباع الهوى . وقيل : العافية ، وقيل : القناعة . وقيل : الغلبة بالدين والطاعة . وقيل : قيام الليل . وقال الشبلي : هو الاستغناء بالمكون عن الكونين . وقال عبد العزيز بن يحيى : هو قهر إبليس ، كما كان يفر من ظل عمر ، وعكسه من كان يجري الشيطان منه مجرى الدم . وقيل : ملك المعرفة بلا علة ، كما أتى سحرة فرعون ، ونزع من بلعام . وقال أبو عثمان : هو توفيق الإيمان . وإذا حملناه على الأظهر : وهو السلطنة والغلبة ، وكون المؤتى هو الآمر المتبع ، فالذي آتاه الملك هو محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته ، والمنزوع منهم فارس والروم . وقيل : المنزوع منه أبو جهل وصناديد قريش . وقيل : العرب وخلفاء الإسلام وملوكه ، والمنزوع فارس والروم . وقال : الأنبياء ؛ أمر الناس بطاعتهم ، والمنزوع منه الجبارون ؛ أمر الناس بخلافهم . وقيل : السدي آدم وولده ، والمنزوع منه إبليس وجنوده . وقيل : داود - عليه السلام - والمنزوع منه طالوت . وقيل : صخر ، والمنزوع منه سليمان أيام محنته . وقيل : المعنى تؤتي الملك في الجنة من تشاء ، وتنزع الملك من ملوك الدنيا في الآخرة ممن تشاء . وقيل : الملك العزلة والانقطاع ، وسموه الملك المجهول . وهذه أقوال مضطربة ، وتخصيصات ليس في الكلام ما يدل عليها ، والأولى أن يحمل على جهة التمثيل لا الحصر في المراد .
( وتعز من تشاء وتذل من تشاء ) قيل : محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، حين دخلوا مكة في اثني عشر ألفا ظاهرين عليها ، وأذل أبا جهل وصناديد قريش حتى حزت رءوسهم وألقوا في القليب . وقيل : بالتوفيق والعرفان ، وتذل بالخذلان . وقال عطاء : المهاجرين والأنصار ، وتذل فارس والروم . وقيل : بالطاعة ، وتذل بالمعصية . وقيل : بالظفر والغنيمة ، وتذل بالقتل والجزية . وقيل : بالإخلاص ، وتذل بالرياء . وقيل بالغنى ، وتذل بالفقر . وقيل : بالجنة والرؤية ، وتذل بالحجاب والنار ، قاله الحسن بن الفضل . وقيل : بقهر النفس ، وتذل باتباع الخزي ، قاله الوراق . وقيل : بقهر الشيطان ، وتذل بقهر الشيطان إياه ، قاله الكتاني . وقيل : بالقناعة والرضا ، وتذل بالحرص والطمع .
ينبغي حمل هذه الأقاويل على التمثيل لأنه لا مخصص في الآية ، بل الذي يقع به العز والذل مسكوت عنه ، وللمعتزلة هنا كلام مخالف لكلام أهل السنة ، قال الكعبي : تؤتي الملك على سبيل الاستحقاق من يقوم به ، ولا تنزعه إلا ممن فسق ، يدل عليه ( لا ينال عهدي الظالمين ) ( إن الله اصطفاه عليكم ) جعل الاصطفاء سببا للملك ، فلا يجوز أن يكون ملك الظالمين بإيتائه وقد يكون ، وقد ألزمهم [ ص: 420 ] أن لا يتملكوه ، فصح أن الملوك العادلين هم المخصوصون بإيتاء الله الملك ، وأما الظالمون فلا . أما النزع فبخلافه ، فكما ينزعه من العادل لمصلحة ، فقد ينزعه من الظالم . وقال القاضي عبد الجبار : الإعزاز المضاف إليه تعالى يكون في الدين بالإمداد بالألطاف ومدحهم وتغلبهم على الأعداء ، ويكون في الدنيا بالمال وإعطاء الهيبة . وأشرف أنواع العزة في الدين هو الإيمان ، وأذل الأشياء الموجبة للذلة هو الكفر ، فلو كان حصول الإيمان والكفر من العبد ، لكان إعزاز العبد نفسه بالإيمان ، وإذلاله نفسه بالكفر أعظم من إعزاز الله إياه وإذلاله ، ولو كان كذلك كان حظه من هذا الوصف أتم من حظه - سبحانه - وهو باطل قطعا . وقال الجبائي : يذل أعداءه في الدنيا والآخرة ، ولا يذل أولياءه وإن أفقرهم ، وأمرضهم ، وأخافهم ، وأحوجهم إلى غير ذلك ، لأن ذلك لعزهم في الآخرة بالثواب ، أو العوض فصار كالفصد يؤلم في الحال ويعقب نفعا . قال : ووصف الفقر بكونه ذلا مجازا ، كقوله ( أذلة على المؤمنين ) وإذلال الله المبطل بوجوه بالذم ، واللعن ، وخذلانهم بالحجة والنصرة ، وبجعلهم لأهل دينه غنيمة ، وبعقوبتهم في الآخرة .