فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره ومن يغو لا يعدم على الغي لائما
وتفسير الهدى بالغنى أبعد من تفسير ، وفي قوله : ( هداهم ) طباق معنوي ، إذ المعنى : ليس عليك هدى الضالين ، وظاهر الخطاب في : ليس عليك ، أنه لرسول الله ، وفي ذلك تسلية له - صلى الله عليه وسلم . الزمخشري
ومناسبة تعلق هذه الجملة بما قبلها أنه لما ذكر تعالى قوله : ( يؤتي الحكمة من يشاء ) الآية اقتضى أنه ليس كل أحد آتاه الله الحكمة ، فانقسم الناس من مفهوم هذا إلى قسمين : من آتاه [ ص: 327 ] الله الحكمة فهو يعمل بها ، ومن لم يؤته إياها فهو يخبط عشواء في الضلال ، فنبه بهذه الآية أن هذا القسم ليس عليك هداهم ، بل الهداية وإيتاء الحكمة إنما ذلك إلى الله تعالى ، ليتسلى بذلك في كون هذا القسم لم يحصل له السعادة الأبدية ، ولينبه على أنهم وإن لم يكونوا مهتدين ، تجوز الصدقة عليهم ، وقيل : المعنى في : ( ليس عليك هداهم ) هو ليس عليك أن تلجئهم إلى الهدى بواسطة أن تقف صدقتك على إيمانهم ، فإن مثل هذا الإيمان لا ينتفعون به ، بل المطلوب منهم الإيمان على سبيل الطوع والاختيار ، وفي قوله : ( ولكن الله يهدي من يشاء ) رد على القدرية ، وتجنيس مغاير إذ : هداهم اسم ، ويهدي فعل .
( وما تنفقوا من خير فلأنفسكم ) أي : فهو لأنفسكم ، لا يعود نفعه ولا جدواه إلا عليكم ، فلا تمنوا به ، ولا تؤذوا الفقراء ، ولا تبالوا بمن صادفتم من مسلم أو كافر ، فإن ثوابه إنما هو لكم ، وقال : معنى فلأنفسكم ، فلأهل دينكم ، كقوله تعالى : ( سفيان بن عيينة فسلموا على أنفسكم ) ( ولا تقتلوا أنفسكم ) أي : أهل دينكم ، نبه على أن حكم الفرض من الصدقة بخلاف حكم التطوع ، فإن الفرض لأهل دينكم دون الكفار ، وحكي عن بعض أهل العلم أنه كان يصنع كثيرا من المعروف ، ثم يحلف أنه ما فعل مع أحد خيرا قط ، فقيل له في ذلك ، فقال : إنما فعلت مع نفسي ، ويتلو هذه الآية .
وروي عن علي - كرم الله وجهه - أنه كان يقول : ما أحسنت إلى أحد قط ، ولا أسأت له ثم يتلو : ( إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها ) .
( وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله ) أي : وما تنفقون النفقة المعتد لكم قبولها إلا ما كان إنفاقه لابتغاء وجه الله ، فإذا عريت من هذا القصد فلا يعتد بها ، فهذا خبر شرط فيه محذوف أي : وما تنفقون النفقة المعتدة القبول ، فيكون هذا الخطاب للأمة ، وقيل : هو خبر من الله أن نفقتهم أي : نفقة الصحابة ، رضي الله عنهم ، ما وقعت إلا على الوجه المطلوب من ابتغاء وجه الله ، فتكون هذه شهادة لهم من الله بذلك ، وتبشيرا بقبولها ، إذ قصدوا بها وجه الله تعالى ، فخرج هذا الكلام مخرج المدح والثناء ، فيكون هذا الخطاب خاصا بالصحابة .
وقال : وليست نفقتكم إلا لابتغاء وجه الله ، ولطلب ما عنده ، فما لكم تمنون بها وتنفقون الخبيث الذي لا يوجه مثله إلى الله ؟ وهذا فيه إشارة إلى مذهب الزمخشري المعتزلة ، من أن الصدقة وقعت صحيحة ، ثم عرض لها الإبطال ، بخلاف قول غيرهم : إن المن والأذى قارنها ، وقيل : هو نفي معناه النهي ، أي : ولا تنفقوا إلا ابتغاء وجه الله ، ومجازه أنه لما نهى عن أن يقع الإنفاق إلا لوجه الله ، حصل الامتثال ، وإذا حصل الامتثال ، فلا يقع الإنفاق إلا لابتغاء وجه الله ، فعبر عن النهي بالنفي لهذا المعنى ، وانتصاب ( ابتغاء ) على أنه مفعول من أجله ، وقيل : هو مصدر في موضع الحال تقديره : مبتغين ، وعبر بالوجه عن الرضا ، كما قال : ابتغاء مرضاة الله ، وذلك على عادة العرب ، وتنزه الله عن الوجه بمعنى الجارحة ، وقد تقدم الكلام على نسبة الوجه إلى الله في قوله : ( فثم وجه الله ) مستوفى ، فأغنى عن إعادته .
( وما تنفقوا من خير يوف إليكم ) أي : يوفر عليكم جزاؤه مضاعفا ، وفي هذا ، وفيما قبله ، قطع عذرهم في عدم الإنفاق ، إذ الذي ينفقونه هو لهم حيث يكونون محتاجين إليه ، فيوفونه كاملا موفرا ، فينبغي أن يكون إنفاقهم على أحسن الوجوه وأفضلها ، وقد جاء قوله تعالى : ( ويربي الصدقات ) وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث : أبي هريرة . والضمير في ( يوف ) عائد على : ما [ ص: 328 ] ومعنى توفيته : إجزال ثوابه . " إذا تصدق العبد بالصدقة وقعت في يد الله قبل أن تقع في يد السائل ، فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه ، أو فصيله ، حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد "
( وأنتم لا تظلمون ) جملة حالية ، العامل فيها ( يوف ) والمعنى : أنكم لا تنفقون شيئا من ثواب إنفاقكم .