الخلة : الصداقة كأنها تتخلل الأعضاء أي : تدخل خلالها ، والخلة الصديق ، قال الشاعر :
وكان لها في سالف الدهر خلة يسارق بالطرف الخباء المسترا
السنة والوسن : قيل : النعاس ، وهو الذي يتقدم النوم من الفتور قال الشاعر :
[ ص: 272 ]
وسنان أقصده النعاس فرنقت في عينه سنة وليس بنائم
ويبقى مع السنة بعض الذهن ، والنوم هو المستثقل الذي يزول معه الذهن ، وهذا البيت يظهر منه التفرقة بين السنة والنوم . وقال ابن زيد : الوسنان الذي يقوم من النوم وهو لا يعقل ، حتى ربما جرد السيف على أهله ، وهذا الذي قاله ابن زيد ليس بمفهوم من كلام العرب ; قال المفضل : السنة ثقل في الرأس ، والنعاس في العين ، والنوم في القلب . الكرسي : آلة من الخشب أو غيره معلومة ، يقعد عليها ، والياء فيه كالياء في قري ، ليست للنسب ، وجمعه كراسي ، وسيأتي تفسيره بالنسبة إلى الله تعالى ، آده الشيء يؤده : أثقله ، وتحمل منه مشقة ، قال الشاعر :
ألا ما لسلمى اليوم بت جديدها وضنت وما كان النوال يؤدها
الغي : مقابل الرشد ، يقال : غوى الرجل يغوي أي : ضل في معتقد أو رأي ، ويقال : أغوى الفصيل إذا بشم ، وإذا جاع على الضد . الطاغوت : بناء مبالغة من طغى يطغى ، وحكى يطغو إذا جاوز الحد بزيادة عليه ، ووزنه الأصلي : فعلوت ، قلب إذ أصله : طغووت ، فجعلت اللام مكان العين ، والعين مكان اللام ، فصار طوغوت ، تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ، فصار طاغوت ، ومذهب الطبري أبي علي أنه مصدر كرهبوت وجبروت ، وهو يوصف به الواحد والجمع ، ومذهب أنه اسم مفرد كأنه اسم جنس يقع للكثير والقليل ، وزعم سيبويه أبو العباس أنه جمع ، وزعم بعضهم أن التاء في طاغوت بدل من لام الكلمة ، ووزنه فاعول . العروة : موضع الإمساك وشد الأيدي والتعلق ، والعروة شجرة تبقى على الجذب لأن الإبل تتعلق بها في الخصب من : عروته : ألممت به متعلقا ، واعتراه ألم : تعلق به . الانفصام : الانقطاع ، وقيل : الانكسار من غير بينونة ، والقصم بالقاف الكسر ببينونة ، وقد يجيء الفصم بالفاء في معنى البينونة .
( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ) مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما ذكر اصطفاء طالوت على بني إسرائيل ، وتفضل داود عليهم بإيتائه الملك والحكمة وتعليمه ، ثم خاطب نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - بأنه من المرسلين ، وكان ظاهر اللفظ يقتضي التسوية بين المرسلين ، بين بأن المرسلين متفاضلون أيضا ، كما كان التفاضل بين غير المرسلين ك طالوت و بني إسرائيل ، و ( تلك ) مبتدأ وخبره ( الرسل ) و ( فضلنا ) جملة حالية ، وذو الحال الرسل ، والعامل فيه اسم الإشارة . ويجوز أن يكون ( الرسل ) صفة لاسم الإشارة ، أو عطف بيان ، وأشار بتلك التي للبعيد لبعد ما بينهم من الأزمان وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - قيل : الإشارة إلى الرسل الذين ذكروا في هذه السورة ، أو للرسل التي ثبت علمها عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأولى أن تكون إشارة إلى المرسلين في قوله : ( وإنك لمن المرسلين ) ولا يلزم من ذلك علمه - صلى الله عليه وسلم - بأعيانهم بل أخبر أنه من جملة المرسلين ، وأن المرسلين فضل الله بعضهم على بعض ، وأتى بتلك ، التي للواحدة المؤنثة ، وإن كان المشار إليه جمعا ؛ لأنه جمع تكسير ، وجمع التكسير حكمه حكم الواحدة المؤنثة في الوصف ، وفي عود الضمير ، وفي غير ذلك ، وكان جمع تكسير هنا لاختصار اللفظ ، ولإزالة قلق التكرار ؛ لأنه لو جاء : أولئك المرسلون فضلنا ، كان اللفظ فيه طول ، وكان فيه التكرار والالتفات في ( نتلوها ) ، وفي ( فضلنا ) ؛ لأنه خروج إلى متكلم من غائب ، إذ قبله ذكر لفظ الله ، وهو لفظ غائب . والتضعيف في ( فضلنا ) للتعدية ، و ( على بعض ) متعلق بـ ( فضلنا ) قيل : والتفضيل بالفضائل بعد الفرائض أو الشرائع على غير ذي الشرائع ، أو بالخصائص كالكلام . وقال : ( الزمخشري فضلنا بعضهم على بعض ) لما أوجب ذلك من تفاضلهم في الحسنات ، انتهى . وفيه دسيسة اعتزالية . ونص تعالى في هذه الآية على تفضيل بعض الأنبياء على بعض في الجملة دون تعيين مفضول . [ ص: 273 ] وهكذا جاء في الحديث : " آدم " . وقال : " أنا سيد ولد لا تفضلوني على موسى " وقال : " يونس بن متى " . لا ينبغي لأحد أن يقول : أنا خير من
( منهم من كلم الله ) قرأ الجمهور بالتشديد ورفع الجلالة والعائد على ( من ) محذوف تقديره من كلمه ، وقرئ بنصب الجلالة والفاعل مستتر في ( كلم ) يعود على ( من ) ورفع الجلالة أتم في التفضيل من النصب ، إذ الرفع يدل على الحضور والخطاب منه تعالى للمتكلم ، والنصب يدل على الحضور دون الخطاب منه ، وقرأ أبو المتوكل وأبو نهشل وابن السميقع : ( كالم الله ) بالألف ونصب الجلالة من المكالمة ، وهي صدور الكلام من اثنين ، ومنه قيل : كليم الله أي : مكالمه ، فعيل بمعنى مفاعل ، كجليس وخليط . وذكر التفضيل بالكلام وهو من أشرف تفضيل حيث جعله محلا لخطابه ومناجاته من غير سفير ، وتضافرت نصوص المفسرين هنا على أن المراد بالمكلم هنا هو موسى ، على نبينا وعليه الصلاة والسلام ، آدم : أنبي مرسل ؟ فقال : " نعم نبي مكلم " . وقد صح في حديث الإسراء حيث ارتقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مقام تأخر عنه فيه وقد سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن جبريل ، أنه جرت بينه وبين ربه تعالى مخاطبات ومحاورات ، فلا يبعد أن يدخل تحت قوله : ( منهم من كلم الله ) : موسى وآدم ومحمد - صلى الله عليه وسلم - لأنه قد ثبت تكليم الله لهم . وفي قوله : ( كلم الله ) التفات ، إذ هو خروج إلى ظاهر غائب من ضمير متكلم ، لما في ذكر هذا الاسم العظيم من التفخيم والتعظيم ، ولزوال قلق تكرار ضمير المتكلم ، إذ كان يكون : فضلنا ، وكلمنا ، ورفعنا ، وآتينا .