( تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين ) ( تلك ) إشارة للبعيد ، و ( آيات الله ) قيل : هي القرآن ، والأظهر أنها الآيات التي تقدمت في القصص السابق من خروج أولئك الفارين من الموت ، وإماتة الله لهم دفعة واحدة ، ثم أحياهم إحياءة واحدة ، وتمليك طالوت على بني إسرائيل وليس من أولاد ملوكهم ، والإتيان بالتابوت بعد فقده مشتملا على بقايا من إرث آل موسى وآل هارون ، وكونه تحمله الملائكة معاينة على ما نقل عن ترجمان القرآن ، وذلك الابتلاء العظيم بالنهر في فصل القيظ والسفر ، وإجابة من توكل على الله في النصرة ، وقتل ابن عباس داود جالوت ، وإيتاء الله إياه الملك والحكمة ، فهذه كلها آيات عظيمة خوارق ، تلاها الله على نبيه بالحق أي : مصحوبة بالحق لا كذب فيها ولا انتحال ، ولا بقول كهنة ، بل مطابقا لما في كتب بني إسرائيل ، ولأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من هذا القصص الحظ الأوفر في الاستنصار بالله والإعداد للكفار ، وأن كثرة العدد قد يغلبها المقل ، وأن الوثوق [ ص: 271 ] بالله والرجوع إليه هو الذي يعول عليه في الملمات ، ولما ذكر تعالى أنه تلا الآيات على نبيه أعلم أنه من المرسلين ، وأكد ذلك بـ ( إن ) واللام ، حيث أخبر بهذه الآية من غير قراءة كتاب ولا مدارسة أحبار ولا سماع أخبار .
وتضمنت الآيات الكريمة أخبار بني إسرائيل حيث استقيدوا تمليك طالوت عليهم أن لذلك آية تدل على تملكيه ، وهو أن التابوت الذي فقدتموه يأتيكم مشتملا على ما كان فيه من السكينة والبقية المخلفة عن آل موسى وآل هارون ، وأن الملائكة تحمله ، وإن في ذلك آية أي : آية لمن كان مؤمنا ؛ لأن هذا خارق عظيم . وفصل طالوت بالجنود وتبريزه بهم من ديارهم للقاء العدو يدل على أنهم ملكوه وانقادوا له ، وأخبرهم عن الله أنه مبتليهم بنهر فاحتمل أن يكون الله نبأه ، واحتمل أن يكون ذلك بإخبار نبيهم له عن الله ، وأن من شرب منه كرعا فليس منه إلا من اغترف غرفة بيده ، وأن من لم يطعمه فإنه منه ، وأخبر الله أنهم قد خالف أكثرهم فشربوا منه ، ولما عبروا النهر ورأوا ما هو فيه جالوت من العدد والعدد أخبروا أنهم لا طاقة لهم بذلك ، فأجابهم من أيقن بلقاء الله : بأن الكثرة لا تدل على الغلبة ، فكثيرا ما غلب القليل الكثير بتمكين الله وإقداره ، وأنه إذا كان الله مع الصابرين فهم المنصورون ، فحضوا على التصابر عند لقاء العدو ، وحين برزوا لأعدائهم ووقعت العين على العين لجئوا إلى الله تعالى بالدعاء والاستغاثة ، وسألوا منه الصبر على القتال وتثبيت الأقدام عند المداحض ، والنصر على من كفر به ، وكانت نتيجة هذا القول وصدق القتال أن مكنهم من أعدائهم وهزموهم وقتل ملكهم ، وإذا ذهب الرأس ذهب الجسد ، وأعطى الله داود ملك بني إسرائيل والنبوة وهي الحكمة ، وعلمه مما أراد أن يعلمه من الزبور ، وصنعة اللبوس ، وغير ذلك مما علمه ، ثم ذكر تعالى أن إصلاح الأرض هو بدفع بعض الناس بعضا ، فلولا أن دفع الله عن بني إسرائيل بهزيمة قوم جالوت وقتل داود جالوت ، لغلب عليهم أعداؤهم واستؤصلوا قتلا ونهبا وأسرا ، وكذلك من جرى مجراهم ، ولكن فضل الله هو السابق ، حيث لم يمكن منهم أعداءهم ، ومكنهم منهم ، ثم أخبر تعالى أن هذه الآيات التي تضمنت هذه العبر وهذه الخوارق تلاها الله على نبيه بالحق الذي لا شك فيه ، ثم أخبره أنه مرسل من جملة المرسلين الذين تقدموه في الزمان ، والرسالة فوق النبوة ، ودل على رسالته إخباره بهذا القصص المتضمن للآيات الباهرة الدالة على صدق من أخبر بها ، من غير أن يعلمه بها معلم إلا الله .