ولقد حرصت بأن أدافع عنهم فإذا المنية أقبلت لا تدفع
وقرأ الباقون : ( دفع ) مصدر دفع ، كضرب ضربا . والمدفوع بهم جنود المسلمين ، والمدفوعون المشركون ، و ( لفسدت الأرض ) بقتل المؤمنين وتخريب البلاد والمساجد ، قال معناه وجماعة من المفسرين : أو الأبدال وهم أربعون ، كلما مات واحد أقام الله واحدا بدل آخر ، وعند القيامة يموتون كلهم : اثنان وعشرون ابن عباس بالشام ، وثمانية عشر بالعراق .
وروي حديث الأبدال عن علي ، ورفعا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . أو المذكورون في حديث : " وأبي الدرداء لولا عباد ركع ، وأطفال رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا " أو من يصلي ومن يزكي ومن يصوم يدفع بهم عمن لا يفعل ذلك ، أو المؤمن يدفع به عن الكافر كما يبتلى المؤمن بالكافر ، قاله قتادة ، أو الرجل الصالح يدفع به عن ما به من أهل بيته وجيرانه البلاء ، أو الشهود الذين يستخرج بهم الحقوق ، قاله أو السلطان أو الظالم يدفع يد الظالم ، أو الثوري داود دفع به عن طالوت ولولا ذلك غلبت العمالقة على بني إسرائيل ، فيكون ( الناس ) عاما والمراد الخصوص . والذي يظهر أن المدفوع بهم هم المؤمنون ، ولولا ذلك لفسدت الأرض ؛ لأن الكفر كان يطبقها ويتمادى في جميع أقطارها ، ولكنه تعالى لا يخلي زمانا من قائم يقوم بالحق ويدعو إلى الله تعالى ، إلى أن جعل ذلك في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - .
وقال : لولا أن الله يدفع بعض الناس ببعض ، ويكف بهم فسادهم ، لغلب المفسدون ، وفسدت الأرض وبطلت منافعها ، وتعطلت مصالحها من الحرث والنسل وسائر ما يعمر الأرض ، انتهى . وهو كلام حسن ، والذي قبله كلام الزمخشري ابن عطية . والمصدر الذي هو دفع أو دفاع مضاف إلى الفاعل ، و ( بعضهم ) [ ص: 270 ] بدل من الناس ، وهو بدل بعض من كل ، والباء في ( ببعض ) متعلق بالمصدر ، والباء فيه للتعدية فهو مفعول ثان للمصدر ؛ لأن ( دفع ) يتعدى إلى واحد ثم عدي إلى ثان بالباء ، وأصل التعدية بالباء ، أن يكون ذلك في الفعل اللازم نحو : ( لذهب بسمعهم ) فإذا كان متعديا فقياسه أن يعدى بالهمزة ، تقول : طعم زيد اللحم ، ثم تقول : أطعمت زيدا اللحم ، ولا يجوز أن تقول : طعمت زيدا باللحم ، وإنما جاء ذلك قليلا بحيث لا ينقاس ، من ذلك : دفع ، وصك ، تقول : صك الحجر الحجر ، وتقول : صككت الحجر بالحجر ، أي : جعلته يصكه . وكذلك قالوا : صككت الحجرين أحدهما بالآخر نظير : ( دفع الله الناس بعضهم ببعض ) فالباء للتعدية كالهمزة .
قال ، وقد ذكر التعدية بالهمزة والتضعيف ما نصه : وعلى ذلك دفعت الناس بعضهم ببعض ، على حد قولك : ألزمت ، كأنك قلت في التمثيل : أدفعت ، كما أنك تقول : أذهبت به ، وأذهبته من عندنا ، وأخرجته ، وخرجت به معك ، ثم قال سيبويه : صككت الحجرين أحدهما بالآخر على أنه مفعول من قولك : اصطك الحجران أحدهما بالآخر ، ومثل ذلك : ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض ، انتهى كلام سيبويه ، ولا يبعد في قولك : دفعت بعض الناس ببعض ، أن تكون الباء للآلة ، فلا يكون المجرور بها مفعولا به في المعنى ، بل الذي يكون مفعولا به هو المنصوب ، وعلى قول سيبويه يكون المنصوب مفعولا به في اللفظ فاعلا من جهة المعنى وعلى أن تكون الباء للآلة يصح نسبة الفعل إليها على سبيل المجاز ، كما أنك تقول في : كتبت بالقلم ، كتبت القلم . سيبويه
وأسند الفساد إلى الأرض حقيقة : بالخراب وتعطيل المنافع ، أو مجازا : والمراد أهلها .