أطرد اليأس بالرجا فكأين أملا حم يسره بعد عسر
و ( كم ) في موضع رفع على الابتداء ، و ( من ) في ( من فئة ) قيل : زائدة وليس من مواضع زيادتها . وقيل : في موضع الصفة لـ ( كم ) ، و ( فئة ) هنا مفرد في معنى الجمع ، كأنه قيل : كثير من فئات قليلة غلبت . وقرأ الأعشى فيه بإبدال الهمزة ياء ، نحو : ميرة في مئرة ، وهو إبدال نفيس ، وخبر ( كم ) قوله : ( غلبت ) ومعنى ( بإذن الله ) بتمكينه وتسويفه الغلبة . وفي هذه الآية دليل على جواز قتال الجمع القليل للجمع الكثير ، وإن كانوا أضعاف أضعافهم ، إذا علموا أن في ذلك نكاية لهم ، وأما جواز الفرار من الجمع الكثير إذا زادوا عن ضعفهم فسيأتي بيانه في سورة الأنفال ، إن شاء الله تعالى .
( والله مع الصابرين ) تحريض على الصبر في القتال ، فإن الله مع من صبر لنصرة دينه ، ينصره ويعينه ويؤيده ، ويحتمل أن يكون من تمام كلامهم ، ويحتمل أن يكون استئنافا من الله ، قاله القفال . ( ولما برزوا لجالوت وجنوده ) صاروا بالبراز من الأرض ، وهو ما ظهر واستوى ، والمبارزة في الحرب أن يظهر كل قرن لصاحبه بحيث يراه قرنه ، وكان جنود طالوت ثلاثمائة ألف فارس ، وقيل : مائة ألف ، وقال عكرمة : تسعين ألفا . ( قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا ) الصبر هنا : حبس النفس للقتال ، فزعوا إلى الدعاء لله تعالى فنادوا بلفظ الرب الدال على الإصلاح وعلى الملك ، ففي ذلك إشعار بالعبودية . وقولهم : ( أفرغ علينا صبرا ) سؤال بأن يصب عليهم الصبر حتى يكون مستعليا عليهم ، ويكون لهم كالظرف وهم كالمظروفين فيه .
( وثبت أقدامنا ) فلا تزل عن مداحض القتال ، وهو كناية عن تشجيع قلوبهم وتقويتها ، ولما سألوا ما يكون مستعليا عليهم من الصبر سألوا تثبيت أقدامهم وإرساخها . ( وانصرنا على القوم الكافرين ) أي : أعنا عليهم ، وجاءوا بالوصف المقتضي لخذلان أعدائهم ، وهو الكفر ، وكانوا يعبدون الأصنام ، وفي قولهم : ( ربنا ) إقرار لله تعالى بالوحدانية ، وإقرار له بالعبودية .