الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ) ، اللام لام العلة ، ويتعلق بأنزل ، والضمير في : ليحكم ، عائد على الله في قوله : فبعث الله ، وهو المضمر في : أنزل ، وهذا هو الظاهر ، والمعنى أنه تعالى أنزل الكتاب ليفصل به بين الناس ، وقيل : عائد على الكتاب ، أي : ليحكم الكتاب بين الناس ، ونسبة الحكم إليه مجاز ، كما أسند النطق إليه في قوله : ( هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ) ، وكما قال :


ضربت عليك العنكبوت نسيجها وقضى عليك به الكتاب المنزل



ولأن الكتاب هو أصل الحكم ، فأسند إليه ردا للأصل ، وهذا قول الجمهور ، وأجاز الزمخشري أن يكون الفاعل النبي ، قال : ليحكم الله أو الكتاب أو النبي المنزل عليه ، وإفراد الضمير يضعف ذلك ، على أن يحتمل ما قاله ، فيعود على أفراد الجمع ، أي : ليحكم كل نبي بكتابه ، ولا حاجة إلى هذا التكلف مع ظهور عود الضمير على الله تعالى ، ويبين عوده على الله تعالى قراءة الجحدري فيما ذكر مكي : لنحكم ، بالنون ، وهو متعين عوده على الله تعالى ، ويكون ذلك التفاتا إذ خرج من ضمير الغائب في أنزل ، إلى ضمير المتكلم ، وظن ابن عطية هذه القراءة تصحيفا ، قال ما معناه لأن مكيا لم يحك عن الجحدري قراءته التي نقل الناس عنه ، وهي : " ليحكم " ، على بناء الفعل للمفعول ، ونقل مكي لنحكم بالنون . وفي القراءة التي نقل الناس من قوله : " وليحكم " ، حذف الفاعل للعلم به ، والأولى أن يكون الله تعالى ، قالوا : ويحتمل أن يكون الكتاب أو النبيون . وهي : ظرف مكان ، وهو هنا مجاز ، وانتصابه بقوله : ليحكم ، وفيما : متعلق به أيضا ، وفيه : متعلق باختلفوا ، والهاء عائدة على ما الموصولة ، والمراد بها الدين والإسلام ، أي : ليحكم بين الناس في الدين الذي اختلفوا فيه بعد الاتفاق . قيل : ويحتمل أن يكون الذي اختلفوا فيه محمد - صلى الله عليه وسلم - أو دينه ، أو هما ، أو كتابه .

التالي السابق


الخدمات العلمية