( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) [ ص: 32 ] ظاهر اللفظ اعتبار مطلق المرض بحيث يصدق عليه الاسم ، وإلى ذلك ذهب ، ابن سيرين وعطاء ، ، وقال الجمهور : هو الذي يؤلم ويؤذي ، ويخاف تماديه وتزيده : وسمع من لفظ والبخاري مالك أنه المرض الذي يشق على المرء ويبلغ به التلف إذا صام ، وقال مرة : شدة المرض والزيادة فيه : وقال الحسن ، والنخعي : إذا لم يقدر من المرض على الصيام أفطر : وقال : لا يفطر إلا من دعته ضرورة المرض إليه ، ومتى احتمل الصوم مع المرض لم يفطر . وقال الشافعي أبو حنيفة : إن خاف إن تزداد عينه وجعا أو حمى شديدة أفطر . وظاهر اللفظ اعتبار مطلق السفر زمانا وقصدا .
وقد اختلفوا في ، فقال المسافة التي تبيح الفطر ، ابن عمر ، وابن عباس والثوري وأبو حنيفة : ثلاثة أيام . وروى أن البخاري ، ابن عمر كانا يفطران ويقصران في أربعة برد ، وهي ستة عشر فرسخا ، وقد روي عن وابن عباس ابن أبي حنيفة : يومان وأكثر ثلاث ، والمعتبر السير الوسط لا غيره من الإسراع والإبطاء : وقال مالك : مسافة الفطر مسافة القصر ، وهي يوم وليلة ، ثم رجع فقال : ثمانية وأربعون ميلا ، وقال مرة : اثنان وأربعون ، ومرة ستة وأربعون : وفي المذهب : ثلاثون ميلا ، وفي غير المذهب ثلاثة أميال . وأجمعوا على أن سفر الطاعة من جهاد وحج وصلة رحم وطلب معاش ضروري مبيح ، فأما سفر التجارة والمباح ففيه خلاف ، وقال ابن عطية : والقول بالإجازة أظهر ، وكذلك سفر المعاصي مختلف فيه أيضا ، والقول بالمنع أرجح ، انتهى كلامه .
واتفقوا على أن المسافر في رمضان لا يجوز له أن يبيت الفطر ، قالوا : ولا خلاف أنه لا يجوز لمؤمل السفر أن يفطر قبل أن يخرج ، فإن أفطر فقال أشهب : لا يلزمه شيء سافر أو لم يسافر . وقال : عليه الكفارة سافر أو لم يسافر ، وقال سحنون عيسى ، عن ابن القاسم : لا يلزمه إلا قضاء يومه ، وروي عن أنس أنه أفطر وقد أراد السفر ، ولبس ثياب السفر ، ورحل دابته ، فأكل ثم ركب . وقال الحسن يفطر إن شاء في بيته يوم يريد أن يخرج ، وقال أحمد : إذا برز عن البيوت ، وقال إسحاق : لا بل حتى يضع رجله في الرحل . ومن أصبح صحيحا ثم اعتل أفطر بقية يومه ، ولو أصبح في الحضر ثم سافر فله أن يفطر ، وهو قول ، ابن عمر ، والشعبي وأحمد ، وإسحاق ، وقيل : لا يفطر يومه ذلك ، وإن نهض في سفره ، وهو قول ، الزهري ويحيى الأنصاري ، ومالك ، ، والأوزاعي وأبي حنيفة ، ، والشافعي ، وأصحاب الرأي . وأبي ثور
واختلفوا إن أفطر ، فكل هؤلاء قال : يقضي ولا يكفر . وقال : يقضي ويكفر ، وحكاه ابن كنانة الباجي عن ، وقال به الشافعي ابن العربي واختاره ، وقال : ليس بشيء : لأن الله أباح له الفطر في الكتاب والسنة ، ومن أوجب الكفارة فقد أوجب ما لم يوجبه الله . وظاهر قوله : ( أبو عمر بن عبد البر أو على سفر ) إباحة الفطر للمسافر ، ولو كان بيت نية الصوم في السفر فله أن يفطر وإن لم يكن له عذر ، ولا كفارة عليه ، قاله ، الثوري وأبو حنيفة ، ، والأوزاعي وسائر فقهاء والشافعي الكوفة ، وقال مالك : عليه القضاء والكفارة ، وروي عنه أيضا : أنه لا كفارة عليه ، وهو قول أكثر أصحابه .
وموضع " أو على سفر " نصب ؛ لأنه معطوف على خبر - كان - ومعنى - أو - هنا التنويع ، وعدل عن اسم الفاعل وهو - أو " مسافرا " إلى - أو على سفر ، إشعارا بالاستيلاء على السفر لما فيه من الاختيار للمسافر ، بخلاف المرض فإنه يأخذ الإنسان من غير اختيار ، فهو قهري بخلاف السفر : فكأن السفر مركوب الإنسان يستعلي عليه ، ولذلك يقال : فلان على طريق ، وراكب طريق إشعارا بالاختيار ، وأن الإنسان مستول على السفر مختار لركوب الطريق فيه .