الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                معلومات الكتاب

                الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

                ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                صفحة جزء
                6 المشترك إذا انهدم فأبى أحدهما العمارة 7 - فإن احتمل القسمة لا جبر وقسم وإلا بنى ثم أجره ليرجع .

                [ ص: 198 ] بنى أحدهما 9 - بغير إذن الآخر فطلب رفع بناءه قسم ، فإن وقع في نصيب الباني .

                10 - فيها ، وإلا هدم .

                [ ص: 199 ] له التصرف في ملكه وإن تأذى جاره في ظاهر الرواية فله أن يجعل تنورا وحماما ولا يضمن ما تلف به

                التالي السابق


                ( 6 ) قوله : المشترك إذا انهدم إلخ .

                قال بعض الفضلاء : يستثنى من ذلك المسألة ، وهي جدار بين يتيمين خيف سقوطه ، وعلم أن في تركه ضررا عليهما ، ولهما وصيان فأبى أحدهما العمارة فإنه يجبر الآبي أن يبني مع صاحبه ، وليس هذا كإباء أحد المالكين ; لأن ثمة الآبي رضي بدخول الضرر عليه فلا يجبر .

                أما هنا أراد الوصي إدخال الضرر على الصغير فيجبر على أن يرم مع صاحبه .

                كما في الخانية .

                أقول : غير خاف أن كلام المصنف في المالكين لا فيما يعم المالكين وغيرهما حتى يتم الاستثناء المذكور قال بعض الفضلاء : ويجب أن يكون الوقف كمال اليتيم فإذا كانت الدار مشتركة بين وقفين واحتاجت إلى المرمة فأراد أحد الناظرين العمارة ، وأبى الآخر يجبر على التعمير من مال الوقف وقد صارت حادثة الفتوى .

                ( 7 ) قوله : فإن احتمل القسمة لا جبر وقسم إلخ .

                أي يطلب أحدهما إلا إن امتنع .

                أطلق المصنف في عدم الجبر فيما لا تحتمل القسمة فشمل ما إذا انهدم كله ، وصار صحراء أو بقي منه شيء .

                وصرح في الخلاصة بأنه إذا بقي منه شيء يجبر ، وأما إذا لم يبق منه شيء ، وصار صحراء لا يجبر ، وعبارته : طاحونة أو حمام مشترك انهدم ، وأبى [ ص: 198 ] الشريك العمارة ، يجبر هذا إذا بقي منه شيء أما إذا انهدم الكل فصار صحراء لا يجبر ، وإن كان الشريك معسرا يقال له أنفق حتى يكون لك دينا على الشريك ( انتهى ) .

                ولم يذكر المصنف حكم الحرث إذا كان بين شريكين فأبى أحدهما أن يسقيه هل يجبر أم لا ؟ قال في الخلاصة : والحرث إذا كان بين شريكين فأبى أحدهما أن يسقيه يجبر ، وفي أدب القاضي من الفتاوى : لا يجبر ولكن يقال له اسقه وأنفق ثم ارجع في حصته بنصف ما أنفقت ( انتهى ) .

                قال بعض الفضلاء : وهذه العبارة تفيد أن الجبر لا يكون بالرجوع بنصف ما أنفق بل بشيء آخر كالضرب والحبس مثلا وقد فسر صاحب الخلاصة تفسير الجبر في موضع آخر بأنه أمر القاضي بأن ينفق ثم يرجع بنصف ما أنفق فتأمل .

                ( 8 ) قوله : بنى أحدهما بغير إذن الآخر إلخ .

                أقول : بذلك أفتى قارئ الهداية والمصنف تبعا له .

                ( 9 ) قوله : بغير إذن الآخر .

                قال بعض الفضلاء : هو قيد اتفاقي لا احترازي ; إذ هو بالبناء بإذنه لنفسه مستعير لحصته ، وللمعير أن يرجع متى شاء أما إذا بنى الشريك في المشترك بإذن شريكه للشركة يرجع بحصته عليه بلا شبهة ( 10 ) قوله : فيها إلخ .

                أقول : هذا من قبيل وقوع الجار والمجرور جوابا للشرط وهو واقع في الفصيح من الكلام ، ونقله الثقات ; قال : ابن الأعرابي يقال : إن فعلت فبها ونعمت وفي شرح التسهيل لابن عقيل : ووقع في الحديث ولا شبهة في أن بها جواب الشرط ومتعلقه فعل مقدر ; وأغرب من هذا أنه يقع جوابا مع حذف حرف الفاء ذكره ابن مالك في التوضيح لألفاظ الجامع الصحيح في حديث { من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث ، وإن أربعة فبخامس أو سادس } .

                فقلت هذا الحديث : قد تضمن حذف فعلين وعاملي جر باق عملهما بعد إن وبعد الباء ، وهو مثل ما حكي عن يونس من قول العرب : مررت بطالح إن لا صالح فطالح .

                والتقدير إن لا أمرر بصالح فقد مررت بطالح .

                فحذف : أمرر والباء وبقي عملهما وحذف بعد الفاء فقد [ ص: 199 ] مررت بطالح فحذف أمرر وبقي عملهما .

                وهذا الحديث المذكور حذف فيه بعد إن والفاء فعلان وحرفا جر باق عملاهما ، والتقدير : من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث ، وإن قام بأربعة فليذهب بخامس أو سادس ( انتهى ) .

                ومنه يعلم أن الجار والمجرور إذا وقع جوابا لا بد أن يكون بعد الفاء ; لأنه وإن كان عامله فعلا عاما لكنه لكونه محذوفا وجوبا كالعدم ، والجار والمجرور لا يصلح لمباشرة الشرط فلو سلم فساد التقدير فإنما هو لعدم الفاء كما ذكره الشريف في حواشي شرح المفتاح .

                وقد نقل الزجاج في الجمل وقوع الجار والمجرور جوابا للشرط عن سيبويه حيث قال سيبويه فيمن قال : مررت برجل صالح إن لا صالح فطالح بالجر إلى آخر ما تقدم وقد جوزه الزجاج غير مقرون بألفاظ فاحفظه فإنه مما خفي على كثيرين وقد جوزوا في قوله تعالى { فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها } الموصولية والشرطية وقدره الزمخشري فلنفسه أبصر وعليها عمي كذا أفاده أستاذي الشهاب الخفاجي فليحفظ فإنه قلما يباع لكثرة الانتفاع .

                ( 11 ) قوله : له التصرف في ملكه وإن تأذى جاره إلخ .

                في هذه المسألة اختلاف إلا أن الشيخ الإمام الأجل برهان الأئمة كان يفتي بأنه إن كان ضررا بينا يمنع ، وإلا فلا وبه يفتى كما في شرح الوهبانية للعلامة ابن الشحنة نقلا من كتاب الحيطان للحسام الشهيد .

                والظاهر أن برهان الأئمة هو والده فقد نقل عنه ذلك البزازي وأن والده كان يفتي به وعليه الفتوى .

                ثم قال : هذا جواب المشايخ ، وجواب الرواية عدم المنع ثم قال أصحاب ساحة في القسمة فأراد أن يبني عليها ويرفع البناء ومنعه الآخر فقال : يسد علي الريح والشمس له الرفع كما شاء وله أن يتخذ حماما وتنورا ، وإن كف عما يؤذي جاره فهو أحسن ; فقد جاء في الحديث { من آذى جاره أورثه الله داره } وجرب فوجد كذلك وقال نصير والصفار له المنع ، ولو فتح صاحب البناء في علو بنائه بابا أو كوة لا يلي صاحب الساحة منعه بل له أن يبني حتى يستر جهته .

                قال بعض الفضلاء : وقد [ ص: 200 ] وقعت حادثة الفتوى ، وهي رجل له علو وتحت العلو ساحة لرجل وفتح صاحب العلو في علوه كوة فمنعه صاحب الساحة من ذلك فتخاصما في ذلك وأجبت عنها بأنه لو فتح صاحب البناء في علو بنائه بابا أو كوة لا يلي صاحب الساحة منعه بل له أن يبني حتى يستر جهته كما في البزازية وهذا إذا لم تكن الساحة مجلس النساء أما إذا كانت مجلسهن والكوة تشرف على الساحة المذكورة يؤمر صاحبها بسدها وعليه الفتوى .

                كما في المضمرات .

                وقد أفتى بعضهم بإطلاق عبارة البزازية ولم يقيد إطلاقها بعبارة المضمرات ، وهو إطلاق في محل التقييد ، وهو خطأ في الفتوى كما في البحر .

                وفي العمادية : فإن اتخذ طاحونة في داره لطحن بيته لم يكن لجاره منعه ; لأن يكون أحيانا فلا يتضرر به الجيران ، وإن اتخذها للأجرة يمنعه ; لأنه يكون دائما فيتضرر به الجيران ثم قال بعد أن ذكر أجناس هذه المسائل : والحاصل : أن من تصرف في خالص ملكه لا يمنع منه في الحكم ، وإن كان يلحق ضررا بالغير ، وهو القياس لكن ترك القياس في مواضع يتعدى ضرر تصرفه إلى غيره ضررا بينا .

                وقال ابن الشحنة في شرح الوهبانية : وفي حفظي عن أئمتنا الخمسة أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد أنه لا يمنع من التصرف في ملكه ، وإن أضر بجاره .

                وفي الفتاوى عن أستاذنا أنه يفتى بقول الإمام ، وهو الذي أميل إليه ، وأعتمده وأفتي به تبعا لوالدي شيخ الإسلام .

                قال بعض الفضلاء : وأنا أميل إلى القول بالمنع إذا كان الضرر بينا وهو الاستحسان ( انتهى ) .

                أقول : يفهم من التقييد بملكه أن الدار الموقوفة على شخص للسكنى أو الاستغلال ليس له أن يتصرف فيها تصرفا يضر بجاره ; لأنه لا يملك رقبتها وإنما يملك الانتفاع بها اللهم إلا أن يقال يراد بالملك ما يعم ملك المنفعة فليحرر




                الخدمات العلمية