أفضل المعاش التجارة وأفضلها في البز والعطر والزرع والغرس والماشية وأنقصها في الصرف ذكر ذلك كله في الرعاية الكبرى وقال فيها في موضوع آخر : أفضل الصنائع الخياطة وأدناها الحياكة والحجامة ونحوهما وأشدها كراهة الصبغ والصياغة والحدادة ونحو ذلك من الصنائع الدنية وقال فيها أيضا ويكره ونحوه وعسب الفحل والماشطة ونحوه النائحة والبلان والمزين والجرائحي والصائغ والصباغ والحداد وقيل والبيطار ونحوه ذلك وروى كسب الحجام والفاصد أن امرأة ماشطة جمعت مالا من ذلك فجاءت إلى الخلال وقالت أريد أن أحج ؟ فقال أبي عبد الله لا تحجي به ، ليس ههنا أحل من الغزل . أبو عبد الله
وذكر بعضهم أن سئل عن أحمد أتحج منه قال لا غيره أطيب منه وقال كسب الماشطة المروذي سمعت امرأة تقول جاءت امرأة إلى من هؤلاء الذين يمشطون فقالت إني أصل رأس المرأة بقرامل وأمشطها أترى أن أحج مما أكتسب ؟ فقال لا وكره كسبها لنهي النبي صلى الله عليه وسلم وقال تكون من مال أطيب منه ، وكلامه في المغني يقتضي أن الفصد ونحوه لا كراهية فيه وأن الحكم يختص بالحجامة . أبي عبد الله
وقد قال في الصيد اتفقوا أن مكاسب الصناع من الصناعات المباحة حلال واختلفوا في كسب الحجام وذكر في الرعاية وغيرها أنه يكره ابن حزم قال وحمامية النساء أشد كراهة وذكر كسب الحمامي الأزجي في نهايته أن الصحيح أن الحمامي لا يكره كسبه [ ص: 291 ]
وقال في كتاب بهجة المجالس وقد أجمع العلماء أن أشرف الكسب الغنائم وما أوجف عليه بالخيل والركاب إذا سلم من الغلول وقد سمى الله الجهاد تجارة منجية من عذاب الله الأليم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ابن عبد البر } وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال { أفضل الكسب عمل اليد وكل بيع مبرور } . أفضل الكسب كسب الصانع بيده إذا صح
وقال ابن شهاب { } وقيل مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعرابي وهو يبيع شيئا فقال عليك بأول سومة أو قال أول السوم فإن الربح مع السماح رضي الله عنه بم بلغت هذا المال قال إني لم أرد ربحا ولم أستر عيبا . للزبير
وقال رضي الله عنه لقوم ما تجارتكم ؟ قالوا بيع الرقيق قال بئس التجارة ، ضمان نفس ، ومؤنة ضرس . معاوية
وقال رضي الله عنه أحسن ما يكون في عينك وقال أيضا إذا اشتريت بعيرا فاشتره ضخما فإن لم توافق كرما وافقت لحما ، وأنشد عمر بن الخطاب ابن شهاب الزهري رحمه الله :
ألا كل من يهدى له البيع يرزق وقد يصلح المال القليل الترفق
ولمنصور الفقيه :بنية لا تجزعي واصبري عساك بصبرك أن تظفري
فلو نال يوما أبوك الغنى كساك الدبيقى والتستري
ولكن أبوك ابتلي بالعلوم فما أن يبيع ولا يشتري
وروى بإسناد ضعيف عن أحمد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { عمر } . قال قد أعطيت خالتي غلاما وأنا أرجو أن يبارك الله لها فيه ، وقد نهيتها أن تجعله حجاما أو قصابا أو صائغا في مسنده ثنا أبو داود الطيالسي همام عن فرقد السبخي عن عن يزيد بن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أبي هريرة } فيه ضعف ، وقد رواه الإمام أكذب الناس الصباغون والصواغون أحمد وأبو يعلى الموصلي في الضعفاء وابن حبان وابن عدي وغيرهم
قال [ ص: 292 ] رحمه الله بعد أن ذكر هذا الخبر وهذا صحيح ; لأن أحدهم يعد ويخلف قال وقيل ; لأنه يقول من الأصباغ ما لا يمكنه صبغه فإذا تحرى الواحد منهم الصدق والثقة فلا طعن عليه . ابن عقيل
وقال ويكره تعمد الصنائع الرديئة مع إمكان ما هو أصلح منها وقال ابن عقيل ابن الجوزي ويكره أن يكون جزارا ; لأنه يوجب قساوة القلب أو حجاما أو كناسا لما فيه من مباشرة النجاسة ، وفي معناه الدباغ انتهى كلامه .
قال المروزي سألت عن كسب الحجام فكرهه وقال لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ما أعطيناه قال أبا عبد الله ابن حمدان رحمه الله وينبغي أن يكون في كل بلد طبيب وكحال وجرائحي وطحان وخباز ولحام وطباخ وشواء وبيطار وإسكاف وغير ذلك من الصنائع المحتاج إليها غالبا كتجارة وقصارة ومكاراة ووارقة .
قال يستحب إذا وجد الخير في نوع من التجارة أن يلزمه وإن قصد إلى جهة من التجارة فلم يقسم له فيه رزق عدل إلى غيره لما روى القاضي عن ابن أبي الدنيا مرفوعا { موسى بن عقبة إذا رزق أحدكم في الوجه من التجارة فليلزمه } .
وبإسناده عن قال من اتجر في شيء ثلاث مرات فلم يصب منه شيئا فليتحول منه إلى غيره فقال ابن عمر كان يقال إذا لم يرزق الإنسان ببلدة فليتحول إلى أخرى قال وقال ابن عبد البر ابن القاسم سمعت يقول : بلغني أن مالكا قال من كان له رزق في شيء فليلزمه قال وقال عمر بن الخطاب سمعت أهل مالك مكة يقولون ما من أهل بيت فيهم من اسمه محمد إلا رزقوا ورزق خيرا . [ ص: 293 ]
قال والمستحب منها البز لما روى القاضي أبو يعلى عن ابن أبي الدنيا { أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم استشاره رجل في البيوع فأشار عليه بالبز وقال إنك إذا عالجت البز أحببت الخصب للمسلمين وكذا وكذا } وعد أشياء وبإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { } قال وروى بإسناده عن إن أهل الجنة لو تبايعوا ولا يتبايعون ما تبايعوا إلا البز رضي الله عنه قال لو كنت تاجرا ما اخترت غير العطر إن فأتني ربحه لم يفتني ريحه . عمر
وعن مرفوعا { أبي حميد الساعدي } رواه أجملوا في طلب الدنيا فإن كلا ميسر لما خلق له من رواية ابن ماجه عن ابن عباس عمارة بن غزية المدني وهو عن غير الشاميين ضعيف عند الأكثر أيضا عن ولابن ماجه مرفوعا { جابر } . اتقوا الله وأجملوا في الطلب
وروى ابن حبان والحاكم من حديث والبيهقي عن الليث خالد بن يزيد عن عن سعيد بن أبي هلال سعيد بن أبي أمية عن يونس بن كثير عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ابن مسعود جبريل ألقى في روعي أن أحدا منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه ، فاتقوا الله أيها الناس وأجملوا في الطلب فإن استبطأ أحدكم رزقه فلا يطلبه بمعصية الله فإن الله لا ينال فضله بمعصيته } . ليس من عمل يقربكم من الجنة إلا قد أمرتكم به ، ولا عمل يقرب من النار إلا قد نهيتكم عنه ، ولا يستبطئن أحد منكم فإن
ورواه عن الشافعي الدراوردي عن عن عمرو بن أبي عمرو المطلب بن حنطب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلا وأظن روى من حديث ابن ماجه ومن حديث أنس قوله عليه السلام { عائشة } أو هذا المعنى . وعن من بورك له في شيء فليلزمه مرفوعا { ابن مسعود } . إسناده حسن ، ورواه لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا أحمد والترمذي وحسنه
قال في النهاية الضيعة في الأصل المرة من الضياع وضيعة الرجل في هذا ما يكون منه معاشه كالصنعة [ ص: 294 ] والتجارة والزراعة وغير ذلك ومنه الحديث { } أي أكثر عليه معاشه . ومنه حديث أفشى الله ضيعته { ابن مسعود } . لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا
وقال الشيخ يحيى بن يحيى الأزجي الحنبلي رحمه الله في كتاب النهاية له : اختلف الناس في أطيب الاكتساب فقال قوم الزراعة وقال صاحب النهاية وهو الأشبه عندي لما فيه من الاستسلام لقضاء الله والتوكل عليه وهو خارج من بركة الأرض فهو أبعد من الشبهة وقال قوم التجارة أطيب ; لأن الله تعالى صرح بإحلال ذلك في كتابه ، ولأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتعاطون التكسب بهذه الطريق غالبا وقال قوم الكسب بالصناعة أطيب لقوله عليه السلام { } ولأن الإنسان يباشر العمل فيها بكد يده انتهى كلامه . أحل ما أكل الرجل من كسبه
وقال سمعت عباس الدوري رحمه الله يقول وسئل عن الدقاقين فقال : إن أموالا جمعت من عموم المسلمين إنها لأموال سوء ، والظاهر أن المراد بالدقاقين والله أعلم الذين يتجرون في الدقيق وذلك لما فيه من احتكار الأقوات وإرادة غلائها وغير ذلك مما هو سبب في إضرار المعصومين وهو ضرر عام فالأموال المجموعة من التجارة في ذلك أموال سوء واحتج به أحمد بن حنبل على كراهة التجارة في القوت والطعام . القاضي
وقال الشيخ تقي الدين يكره للرجل أن يحب غلو أسعار المسلمين ويكره الرخص ويكره المال المكسوب من ذلك كما قال من قال من الأئمة إن مالا جمع من عموم المسلمين لمال سوء .
وقد روى وغيره عن البخاري جندب مرفوعا { من سمع سمع الله به يوم القيامة ، ومن يشاقق يشقق الله عليه يوم القيامة قالوا أوصنا قال إن أول ما ينتن من الإنسان بطنه فمن استطاع أن لا يأكل إلا طيبا فليفعل ، ومن استطاع أن لا يحال بينه وبين أهل الجنة ملء كف من دم أهراقه فليفعل } .