ومما للمسلم على المسلم أن يستر عورته ، ويغفر زلته ، ويرحم عبرته ، ويقيل عثرته ، ويقبل معذرته ، ويرد غيبته ، ويديم نصيحته ، ويحفظ خلته ، ويرعى ذمته ، ويجيب دعوته ، ويقبل هديته ، ويكافئ صلته ، ويشكر نعمته ، ويحسن نصرته ، ويقضي حاجته ، ويشفع مسألته ، ويشمت عطسته ، ويرد ضالته ، ويواليه ، ولا يعاديه ، وينصره على ظالمه ، ويكفه عن ظلمه غيره ، ولا يسلمه ، ولا يخذله ، ويحب له ما يحب لنفسه ، ويكره له ما يكره لنفسه ذكر ذلك في الرعاية .
قال سمعت حنبل أبا عبد الله قال : ، وعليه نصح المسلم . قال النبي صلى الله عليه وسلم : { وليس على المسلم نصح الذمي } ومراده والله أعلم أنها فرض على الكفاية وقال والنصح لكل مسلم المروذي : سمعت أبا عبد الله يقول : قال رجل تحب أن تنصح ؟ قال : أما من ناصح فنعم ، وأما من شامت فلا . وذكر لمسعر : في بهجة المجالس عن ابن عبد البر قال : رحم الله من أهدى إلي عيوبي في سر بيني وبينه ، فإن النصيحة في الملأ تقريع . مسعر
ولأحمد عن ومسلم مرفوعا : { تميم الداري قلنا : لمن يا رسول الله قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم الدين النصيحة } وليس في إن في أوله " إن " مسلم ولأبي داود { } وكرره ثلاثا وذكره . إن الدين النصيحة
{ وللنسائي } وذكره . فظاهره أن مدار الدين والإسلام على هذا الخبر . وإنما الدين النصيحة
وقاله بعضهم ، وذكر جماعة أنه أحد الأحاديث الأربعة التي تجمع أمر الإسلام .
وقال : [ ص: 291 ] معنى الحديث قوام الدين وعماده النصيحة كقوله { الخطابي عرفة } الحج
بإسناد ضعيف عن ولأحمد أبي أمامة مرفوعا قال الله عز وجل : { } وقال أحب ما تعبد لي به عبدي النصح لي جرير : { } رواه بايعت رسول الله على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم أحمد والبخاري وزاد بعد قوله : والطاعة فلقنني " فيما استطعت " ورواه ومسلم النسائي وزاد وعلى فراق الشرك . كأحمد
قيل : النصيحة مأخوذة من نصح الرجل ثوبه إذا خاطه فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنسوج له بما يسده من خلل الثوب ، وقيل : من نصحت العسل إذا صفيته من الشمع ، شبهوا تخليص القول من الغش بتخليص العسل من الخلط .
وظاهر كلام والأصحاب وجوب النصح للمسلم ، وإن لم يسأله ذلك كما هو ظاهر الإخبار أحمد عن ولمسلم مرفوعا { معقل بن يسار } فقد يقال : ظاهره أن وجوب النصح يتوقف على السؤال ، وقد يقال : لا بل خص الأمير هذا لأنه أخص . لكن روى ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجتهد لهم وينصح إلا لم يدخل الجنة معهم عن مسلم مرفوعا { أبي هريرة } وهذا أولى ولأنه ليس بإقرار على محرم ولا يلزمه قبول قوله بخلاف إنكار المنكر . حق المسلم على المسلم ست وفيه فإذا استنصحك فانصح له
وقد روى في تاريخه عن الحاكم أنه قيل له : التاجر يدخل عليه رجل مفلس وأنا أعرفه ، ولا يعرفه أسكت أم أخبره ، قال لو أن خناقا صحبك ، وأنت لا تعرفه وأنا أعرفه أأسكت حتى يقتلك ؟ وعن ابن المبارك مرفوعا { أنس } متفق عليه . وإن ظن أن لا يقبل نصحه أو خاف أذى منه فيتوجه أن يقال فيه ما سبق في الأمر بالمعروف . لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه
وروى أبو داود في باب النصيحة حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن حدثنا عن ابن وهب عن سليمان يعني ابن بلال كثير بن زيد عن الوليد بن رباح [ ص: 292 ] عن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أبي هريرة } المؤمن مرآة المؤمن والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه كثير حسن الحديث عند الأكثر .
وفي الصحيحين وغيرهما من حديث { النعمان بن بشير } . مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى
{ ولمسلم } وفي الصحيحين من حديث المسلمون كرجل واحد إذا اشتكى عينه اشتكى كله ، وإذا اشتكى رأسه اشتكى كله أبي موسى : { } وفي لفظ { المؤمن للمؤمن كالبنيان } . كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه
وصح عن مرفوعا { أبي هريرة } رواه المستشار مؤتمن أبو داود والترمذي والنسائي ابن ماجه وللترمذي مثله من حديث أم سلمة مثله من حديث ولابن ماجه وله من حديث ابن مسعود { جابر } . وإذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه
وروى عن مسلم مرفوعا { ابن مسعود } وذكر من دل على خير فله مثل أجر فاعله أبو بكر عبد العزيز بن جعفر أن قال لولديه : اكتبا من سلم علينا ممن حج فإذا قدم سلمنا عليه ، قال أحمد بن حنبل هذا محمول منه على صيانة العلم لا على الكبر . ابن عقيل :
وقال ابن الصيرفي من أصحابنا في النوادر نقل عنه ولده صالح أنه قال : انظروا إلى الذين جاءوا مسلمين علينا فنمضي بعد نسلم عليهم قال القاضي وذلك أنه جعل مضيه إليهم في مقابلة مضيهم إليه ولم يستحب أن يبدأهم بالمضي .
وقال عبد الله الحماني الرجل يخرج إلى مكة لا يجيء يسلم علي أمضي أسلم عليه قال : لا إلا أن يكون ذا علم أو هاشميا أو إنسانا يخاف شره وقال المروذي : قال لي محمد بن مقاتل : قل لأبي عبد الله رق على هذا الخلق واجعلهم في حل فقد وجبت نصرتك فقلت : لأبي عبد الله فجعل يقول : هذا رجل صالح قال المروذي ، معنى كلام أبي عبد الله لم يستحلني أحد من العلماء غيره . [ ص: 293 ]
وفي مسائل هذا الفصل أحاديث مشهورة وروى أبو داود في ( باب من رد عن مسلم غيبة ) حدثنا علي بن نصر حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا أبي حدثنا عن الجريري أبي عبد الله الجشمي حدثنا جندب قال : { ومحمدا ولا تشرك في رحمتنا أحدا . فقال رسول الله : صلى الله عليه وسلم أتقولون هو أضل أم بعيره ؟ ألم تسمعوا إلى ما قال ؟ الجشمي } تفرد عنه جاء أعرابي فأناخ راحلته ثم عقلها ثم دخل المسجد فصلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أثار راحلته ، فأطلقها ، ثم ركب ، ثم نادى اللهم ارحمني . الجريري
وظاهر كلام أصحابنا أن نصر المظلوم واجب وإن كان ظالما في شيء آخر وإن ظلمه في شيء لا يمنع نصره على ظالمه في شيء آخر ، وهو ظاهر الأدلة .
وقال : باب ما يكره من معاونة الظالم قال الخلال : سمعت الأثرم أبا عبد الله يسأل عن رجل جحد آخر ميراثا له في يديه ثم عدا عليه رجل آخر وظلمه في شيء آخر غير هذا الميراث وله قرابة فاستغاثهم على ظالمه فقالوا : إنا نخاف أن نعينك على ظلامتك هذه فلسنا بفاعلين حتى ترد إلى أختك ميراثها ، فإن فعلت أعناك على هذا الذي ظلمك قال : ما أعرف ما تقولون وما لهذه عندي ميراث . فقال : لا . ما يعجبني أن يعينوه ، أخشى أن يجترئ ، لا ، ولكن يدعوه حتى ينكسر فيرد على هذه قيل له وهم قرابته وقد علموا أن هذا قد ظلمه قال : لا يعينوه حتى يؤدي إلى تلك لعله أن ينتهي بهذا .
وقال محمد بن أبي حرب : سألت أبا عبد الله عن رجل ظالم ظلمه رجل أعينه عليه ؟ قال : لا حتى يرجع عن ظلمه .
وروى في كتاب العلم أخبرنا الخلال أحمد بن الحسن بن عبد الوهاب حدثنا أبو بكر بن حماد المنقري حدثنا أبو ثابت الخطاب قال : لقيني أبو عبد الله فقال : من أين يا أبا ثابت ؟ قلت : أشتري دقيقا لأبي سليمان الجوزجاني ، فقال : تشتري لأبي سليمان دقيقا ؟ فقلت : وما بأس ؟ فقال : ما يحل لك قال : فقلت من أي شيء تقول يا أبا عبد الله ؟ قال : لا يحل ، تشتري دقيقا لرجل يرد [ ص: 294 ] أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال في الفصول : ويكره لأهل المروآت والفضائل التسرع إلى إجابة الطعام والتسامح بحضور الولائم غير الشرعية فإنه يورث دناءة وإسقاط الهيبة من نفوس الناس ، وسلام أهل الذمة المشهور على النبي صلى الله عليه وسلم استنبط منه استحباب تغافل أهل الفضل عن سفه المبطلين إذا لم يترتب عليه مفسدة . ابن عقيل
وقال رضي الله عنه : الكيس العاقل ، هو الفطن المتغافل وقال بعضهم : الشافعي
وإني لأعفو عن ذنوب كثيرة وفي دونها قطع الحبيب المواصل وأعرض عن ذي الذنب حتى كأنني
جهلت الذي يأتي ولست بجاهل
وروي عن أنه قال : عبد الملك بن مروان
صديقك حين تستغني كثير وما لك عند فقرك من صديق
وكنت إذا الصديق أراد غيظي على حنق وأشرقني بريقي
غفرت ذنوبه وصفحت عنه مخافة أن أكون بلا صديق
وقال ابن الجوزي : وأنشد في هذا المعنى :
ومن لم يغمض عينه عن صديقه وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب
ومن يتتبع جاهدا كل عثرة يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب
وقال أبو فراس :
لم أؤاخذك بالجفاء لأني واثق منك بالإخاء الصحيح
وجميل العدو غير جميل وقبيح الصديق غير قبيح
لا ترج شيئا خالصا نفعه فالغيث لا يخلو من الغثاء
وقال ابن الجوزي : لا ندعو من تشق عليه الإجابة وإذا حضر تأذى الحاضرون بسبب من الأسباب ، وقال : إن كان الطعام حراما فليمتنع من الإجابة ، وكذلك إذا كان منكر وكذلك إذا كان الداعي ظالما أو فاسقا أو مبتدعا أو مفاخرا بدعوته وذكر أيضا في موضع آخر أنه إذا كان في الضيافة مبتدع يتكلم ببدعته لم يجز الحضور معه إلا لمن يقدم على الرد عليه ، وإن لم يتكلم المبتدع جاز الحضور معه مع إظهار الكراهة له والإعراض عنه ، وإن كان هناك مضحك بالفحش والكذب لم يجز الحضور ، ويجب الإنكار فإن كان مع ذلك مزح لا كذب فيه ، ولا فحش أبيح ما يقل من ذلك ، فأما اتخاذه صناعة وعادة فيمتنع منه .
وقال أبو داود باب في طعام المتباريين حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء أنبأنا أبي حدثنا عن جرير بن حازم الزبير أبي الحارث سمعت عكرمة يقول : كان يقول : { ابن عباس } . إسناد جيد . قال إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن طعام المتباريين أن يؤكل أبو داود أكثر من رواه عن جرير لا يذكر فيه . ابن عباس وهارون النحوي ذكر فيه أيضا ابن عباس لم يذكر وحماد بن زيد وذكر ابن عباس أن المتباريين هما المتعارضان ، ففعلهما ليعجز أحدهما الآخر بصنيعه . وإنه إنما كرهه لما فيه من المباهاة والرياء . فهذا يدل لما ذكره ابن الأثير ابن الجوزي في المفاخر بدعوته ، وذكر [ ص: 296 ] أبو داود لذلك يوافقه ، ثم هل يحرم أكل هذا الطعام أو يكره ؟ يحتمل وجهين نظرا إلى ظاهر النهي والمعنى .