[ ص: 69 ] فصل في كراهة السؤال عن الغرائب وعما لا ينتفع ولا يعمل به وما لم يكن )
قال المروزي قال أبو عبد الله : سألني رجل مرة عن يأجوج ومأجوج أمسلمون هم ؟ فقلت له أحكمت العلم حتى تسأل عن ذا وقال أيضا قال أبو عبد الله : سأل بشر بن السري عن أطفال المشركين فصاح به وقال يا صبي أنت تسأل عن ذا وقال سفيان الثوري سمعت حنبل أبا عبد الله وسأله ابن الذي ولي قضاء الشافعي حلب قال له يا أبا عبد الله ذراري المشركين أو المسلمين لا أدري أيهما سأل عنه ، فصاح به أبو عبد الله وقال له : هذه مسائل أهل الزيغ ما لك ولهذه المسائل ؟ فسكت وانصرف ولم يعد إلى أبي عبد الله بعد ذلك حتى خرج .
ونقل عن أحمد بن أصرم أنه سئل عن مسألة في اللعان فقال سل رحمك الله عما ابتليت به ، ونقل عنه أحمد أبو داود وسأله رجل عن مسألة فقال له دعنا من هذه المسائل المحدثة ، وسألته عن أخرى فغضب وقال : خذ ويحك فيما تنتفع به وإياك وهذه المحدثة وخذ في شيء فيه حديث وقال : سمعت الأثرم سئل عن مسألة قال دعنا ليت أنا نحسن ما جاء فيه الأثر وقال أحمد مهنا سألت عن رجل استأجر من رجل داره سنة بعبد فلم يسكن الدار وأبق العبد ، فقال لي اعفنا من هذه المسائل ، وسألت أحمد عن أحمد قال : يفطر قلت : يأكل قال نعم قلت ويجامع امرأته قال : لا أدري فأعدت عليه فحول وجهه عني . المريض في شهر رمضان يضعف عن الصوم
وقال أحمد بن جيان القطيعي : دخلت على أبي عبد الله فقلت : أتوضأ بماء النورة ؟ فقال ما أحب ذلك ، فقلت : أتوضأ بماء الباقلا قال : ما أحب ذلك قال : ثم قمت فتعلق بثوبي وقال : أيش تقول [ ص: 70 ] إذا دخلت المسجد ؟ فسكت فقال : أيش تقول إذا خرجت من المسجد ؟ فسكت فقال : اذهب فتعلم هذا .
وعن شبرمة قال قال لي إياك وما يستشنع الناس من الكلام ، وعليك بما يعرف الناس من القضاء وعن إياس بن معاوية عن أبيه أنه كان يكره أن يفتي برأيه أو في أمر خصومة . هشام بن عروة
وروى من رواية أحمد عن ليث عن طاوس قال : لا تسألوا عما لم يكن فإني سمعت ابن عمر ينهى أن يسأل عما لم يكن . عمر
وروى أيضا بإسناد حسن عن قال : ما رأيت قوما كانوا خيرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سألوا إلا عن ثلاثة عشر مسألة حتى قبض ، كلهن في القرآن وما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم وروي أيضا من رواية ابن عباس عن مجالد عامر عن قال : قال ما أنزل البلاء إلا كثرة السؤال . جابر
وروى ذلك . الخلال
وقد تضمن ذلك أنه يكره عند أحمد ، وإن العامي يسأل عما يعلم به ، وقد قال الله تعالى { السؤال عما لا ينفع السائل ويترك ما ينفعه ويحتاجه يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم } .
واحتج به على كراهة الشافعي . السؤال عن الشيء قبل وقوعه
وفي حديث اللعان { } . فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها
وفي الصحيحين عن مرفوعا { المغيرة بن شعبة } متفق عليه . وفيهما عن كان ينهى عن قيل وقال [ ص: 71 ] وإضاعة المال ، وكثرة السؤال وفي لفظ إن الله كره لكم ذلك مرفوعا قال : { سعد } . أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته
قال في شرح قال مسلم وغيره : هذا الحديث فيمن سأل تكلفا أو تعنتا عما لا حاجة به إليه فأما من سأل لضرورة بأن وقعت له مسألة فسأل عنها فلا إثم عليه ولا يحنث لقوله تعالى : { الخطابي فاسألوا أهل الذكر } .
وقال في كتاب المدخل كره البيهقي السلف ، وإنما سأل بالاجتهاد لأنه إنما يباح للضرورة ولا ضرورة قبل الواقعة وقد يتغير اجتهاده عندها . واحتج بحديث { السؤال عن المسألة قبل كونها إذا لم يكن فيها كتاب ولا سنة } وقال من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه عن طاوس لا يحل لكم أن تسألوا عما لم يكن وقال عمر أخبرني ابن وهب الفتح بن بكر عن أن عبد الرحمن بن شريح قال : وإياكم وهذه العضل فإنها إذا نزلت بعث الله لها من يقيمها أو يفسرها ، وروي عن عمر أبي بن كعب نحو ذلك وقال عن ابن مهدي : عن حماد بن زيد الصلت بن راشد قال : سألت عن شيء فقال : أكان هذا قلت نعم . فحلفني فحلفت له . طاوسا
فقال : إن أصحابنا حدثونا عن أنه قال : " أيها الناس لا تعجلوا بالبلاء قبل نزوله فيذهب بكم ههنا وههنا وإنكم إن لم تعجلوا لم ينفك المسلمون أن يكون فيهم من إذا سئل سدد ، أو قال وفق " وروى معاذ عن أسامة بن زيد عن يحيى بن أبي كثير عن النبي صلى الله عليه وسلم معنى هذا الكلام وقال أبي سلمة بن عبد الرحمن وبلغني عن البيهقي أبي عبد الله الحليمي أنه أباح ذلك للمتفقهة ليرشدوا إلى طريق النظر قال : والرأي ، قال وعلى ذلك وضع الفقهاء مسائل الاجتهاد وأخبروا بآرائهم فيها . [ ص: 72 ]
وقال عكرمة قال لي انطلق فأفت الناس فمن سألك عما يعنيه فأفته ، ومن سألك عما لا يعنيه فلا تفته فإنك تطرح عن نفسك ثلثي مؤنة الناس . ابن عباس
ورواه في تاريخه وفيه انطلق فأفت الناس وأنا لك عون قال قلت لو أن هذا الناس مثلهم مرتين لأفتيتهم . الحاكم
وقد روى أحمد من حديث ومسلم { أبي سعيد بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار } وقد أذن عليه السلام في الكتابة . ففي الصحيحين من حديث لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه ، وحدثوا عن قوله عليه السلام { أبي هريرة لأبي شاه } اكتبوا ولأحمد وأبي داود من حديث { عبد الله بن عمر } وأمر عليه السلام في الكتابة في غير حديث . أنه عليه السلام أومأ بإصبعه إلى فيه وقال : اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق
فأما قول العالم للناس سلوني ففي الصحيحين عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أبي هريرة } الحديث . أي سلوني عما تحتاجون إليه ، فلا تعارض بينه وبين ما في الصحيحين عن سلوني فهابوا أن يسألوه فجاء رجل فجلس عند ركبته فقال يا رسول الله ما الإسلام قال : { أنس } الحديث . نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من البادية العاقل فيسأله
وفي وغيره في تفسير سورة الكهف أن البخاري قال : سلوني . وأما جلوس العالم في حلقة فهو كثير في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس عن ولمسلم قال : { أبي هريرة أبو بكر في نفر فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا وخشينا أن ينقطع دوننا [ ص: 73 ] وفزعنا فقمنا فكنت أول من فزع وعمر } . كنا قعودا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم معنا
الحديث يقال قعدنا حوله وحوليه وحوليه وحوله بفتح الحاء واللام في جميعها أي جوانبه قال أهل اللغة : ولا يقال حواله بكسر اللام ، ويقال نحن بين أظهركم وظهريكم وظهرانيكم بفتح النون أي : بينكم ، والفزع يكون بمعنى الروع وبمعنى الهبوب للشيء والاهتمام به وبمعنى الإغاثة .
قالوا : وفي هذا الخبر اهتمام الأتباع بحقوق متبوعهم والاعتناء بتحصيل مصالحهم ودفع المفاسد عنهم ، وفيه { دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا أبا هريرة للأنصار وهو البستان وأنه عليه السلام أعطاه نعليه وقال : اذهب بنعلي أي علامة فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة وأنه لقي فأخبره قال : فضرب عمر بين ثديي فخررت لاستي ، فقال : ارجع يا عمر . وقوله فأجهشت بكاء ، وفي بعض النسخ فجهشت أي تغير وجهه وتهيأ للبكاء وأنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما حملك يا أبا هريرة على ما فعلت ؟ فقال يا رسول الله بأبي أنت وأمي أبعثت عمر أي بكذا قال نعم قال : فلا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلهم أبا هريرة } وفي هذا الخبر فوائد . أن