قال عبد الله كان أبي أصبر الناس على الوحدة وقال لم ير أحد أبي إلا في مسجد أو حضور جنازة أو عيادة مريض وكان يكره المشي في الأسواق وقال عنه : رأيت الوحدة أروح لقلبي . الميموني
وقال المروذي ذكرت لأبي عبد الله عبد الوهاب على أن يلتقيا فقال أليس قد كره بعضهم اللقاء وقال يتزين لي وأتزين له ، وكفى بالعزلة علما ، والفقيه الذي يخاف الله وقال لي أبو عبد الله قل لعبد الوهاب أخمل ذكرك ، فإني أنا قد بليت بالشهرة وقال غيره عن أنه قال : أشتهي ما لا يكون ، أشتهي مكانا لا يكون فيه أحد من الناس . أحمد
وقال أبو عبد الله أحمد بن محمد المسيبي قلت لأبي عبد الله إني أحب أن آتيك فأسلم عليك ولكن أخاف أن تكره الرحل ، فقال : إنا لنكره ذلك وقال : سمعت الأثرم قال الهيثم بن خارجة لأبي عبد الله أنت عروس تزار ولا تزور .
ومن نظر في سيرة أبي عبد الله وترجمة ما سبق وما يأتي وما لم نذكره وجد همته في الخيرات والطاعات من أعلى الهمم ، وإنه يصدق عليه ما رواه في تاريخه عن الحاكم أن دغفلا دخل على الأصمعي فقال له أي بيت أفخر ، قال : قول الشاعر : معاوية
له همم لا منتهى لكبارها وهمته الصغرى أجل من الدهر له راحة لو أن معشار جودها
على البر كان البر أندى من البحر
وقال صالح : كان أبي إذا دعا له رجل يقول الأعمال بخواتيمها وقال عامر : للإمام يا أحمد أبا عبد الله بلغني أنك رجل من العرب فمن أي [ ص: 28 ] العرب أنت ؟ فقال لي يا أبا النعمان نحن قوم مساكين وما نصنع بهذا ؟ فكان ربما جاءني أريده على أن يخبرني فيعيد علي مثل ذلك الكلام ولا يخبرني بشيء .
وقال عبد الله بن الرومي : كنت كثيرا ما أرى يعني وهو أبا عبد الله أحمد بن حنبل بالبصرة يأتي إلى مسجد بني مازن فيصلي فيه فقلت يا أبا عبد الله إني أراك كثيرا تصلي في هذا المسجد قال : إنه مسجد آبائي وقال : حدثنا الخلال المروذي قال : حضرت سئل عن مسألة فقال : قال أبا ثور أبو عبد الله : إمامنا ، أو قال شيخنا فيها كذا وكذا ، فجعل السائل يدعو له ولم يسأله عن رأيه ، فلما مضى التفت إلينا فقال : هذا لو أخبرته عن رأيي لكان يعني يطول فحيث قلت له أحمد بن حنبل مر وسكت ، وجاء رجل إلى أحمد بن حنبل أبي عبد الله فقال : إن لي والدة مقعدة تسألك أن تدعو لها قال : فغضب وقال : كيف قصدتني ؟ قل لوالدتك تدعو لي ، هذه مبتلاة ، وأنا معافى . ثم دعا لها وعوفيت .
وجاء رجل إلى أبي عبد الله من سمرقند بكتاب عبيد الله بن عبد الرحمن إلى أبي عبد الله يجعل له مجلسا فأهدى إلى أبي عبد الله يوما ثوبا فأعطاه رجلا ، فقال : اذهب به إلى السوق فقومه ، فذهب فجاء نيف وعشرون درهما فحجبه أبو عبد الله حتى اشترى له ثوبين ومقنعة أو ثوبا ومقنعة وبعث به إليه ثم أذن له فحدثه وقال عبد الله : رأيت أبي إذا اختفى ، أكثر ذلك يقرأ القرآن .
وقال ربما يترك أصحاب الأثرم أشياء ليس لها تبعة عند الله مخافة أن يعيروا أحمد بن حنبل رضي الله عنه وقال بأحمد بن حنبل رأيت أحمد بن الحسن الترمذي أبا عبد الله يشتري من السوق الخبز ويحمل بنفسه في الزنبيل ، ورأيته يشتري الباقلا غير مرة ويجعله في زبدية أو شيء آخر فيحمله وهو آخذ بيد عبد الله ابنه وقال صالح كان أبي ربما خرج إلى البقال فيشتري جرزة حطب فيحملها .
وقال : أخبرنا الخلال المروذي سمعت أبا عبد الله يقول : كان [ ص: 29 ] يحيى بن يحيى قد أوصي لي بجبة قال : ففرحت بها وأردت أن آخذها قال : وكانت أعجبتني الجبة فقلت رجل صالح وقد يصلي فيها قال فجاءوا بها ومعها شيء آخر فرددته كله وقال الفضل بن زيادة عن : ما أعظم بركة المغزل وقال أحمد بن حنبل المروذي : سمعت أبا عبد الله يقول : الخوف منعني أكل الطعام والشراب فما اشتهيته وقال : أخبرني الخلال سمعت أبو بكر بن صدقة محمد بن عبد الرحمن الصيرفي قال : أتيت أنا أحمد بن حنبل وعبد الله بن سعيد الحمال وذلك في آخر سنة المائتين فقال أبو عبد الله لعبد الله بن سعيد : يا أبا محمد إن أقواما يسألوني أن أحدث فهل ترى ذلك ؟ قال فسكت أبو عبد الله ، وأطال السكوت قال : فقلت أنا لأبي عبد الله أجيبك أنا ؟ قال تكلم قال قلت له إن كنت تشتهي أن تحدث فلا تحدث ، وإن كنت تشتهي أن لا تحدث فحدث قال فكأن أبا عبد الله استحسن ذلك قال فلما انبسط في الحديث قال : فظننت أنه كان لا يشتهي أن يحدث .
وقيل لبشر بن الحارث يا أبا نصر الرجل يكون عنده علم من القرآن فترى له أن يجلس فيعلم الناس قال إن كان يحب ذلك فلا يجلس .