قال في توقي اللسان وحفظ الكلام أخبرني الخلال محمد بن نصر بن منصور الصائغ سمعت وقد شيعته وهو يخرج إلى أحمد بن حنبل فلما ركب الجمل التفت إلينا فقال : انصرفوا مأجورين إن شاء الله تعالى . المتوكل
وروى عن الخلال قال كانوا يكرهون فضول الكلام ، وكانوا يعدون فضول الكلام ما عدا كتاب الله أن نقرأه أو أمرا بمعروف ، أو نهيا عن منكر أو أن تنطق في معيشتك بما لا بد لك منه . عطاء
وقال ثنا أحمد أبو داود ثنا حدثني شعبة سمعت قيس بن مسلم طارق بن شهاب يحدث عن عبد الله : إن الرجل يخرج من بيته ومعه دينه فيلقى الرجل إليه حاجة فيقول له إنك كيت إنك كيت يثني عليه وعسى أن لا يحظى من حاجته بشيء فيسخط الله عليه وما معه من دينه شيء .
وروى عن الخلال قال عجبت من اتفاق الملوك الأربعة كلهم على كلمة قال عبد الله بن المبارك : إذا قلت ندمت وإذا لم أقل لم أندم وقال كسرى قيصر أنا على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت وقال ملك الهند عجبت لمن تكلم بكلمة إن هي رفعت تلك الكلمة ضرته ، وإن هي لم ترفع لم تنفعه ، وقال ملك الصين : إن تكلمت بكلمة ملكتني وإن لم أتكلم بها ملكتها .
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى أحاديث كثيرة فصح عنه أنه قال { } وهو في الصحيحين . من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
وعن مرفوعا { ابن عمرو } رواه من صمت نجا أحمد والترمذي وقال غريب لا نعرفه إلا من حديث . ابن لهيعة
وعن قال : " إذا أصبح ابن أبي سعيد آدم قالت الأعضاء كلها للسان اتق الله فينا فإنما نحن بك فإن استقمت [ ص: 35 ] استقمنا وإن اعوججت اعوججنا " رواه الترمذي مرفوعا قال وهو أصح .
وعن مرفوعا { أبي هريرة } رواه إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب أحمد والبخاري . ومعنى ما يتبين فيها لا يتأملها ويجتهد فيها وفيما تقتضيه . وفي رياض الصالحين لا يتبين فيها أخير أم لا ؟ وفي شرح مسلم في أواخر الكتاب معناه لا يتدبرها ويفكر في قبحها وما يخاف أن يترتب عليها . ومسلم ولأحمد { والبخاري } إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في نار جهنم وللترمذي { وابن ماجه } فهذه الرواية إن صحت معناها لا يتأملها ويجتهد فيها وفيما تقتضيه بل قالها في بادئ الرأي ورواه إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها سبعين خريفا في النار مالك وأحمد والترمذي من حديث وابن ماجه بلال بن الحارث وفيه { } ، وفيه { ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت } ، وفيه { يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة } قال يكتب الله له بها سخطه إلى يوم القيامة الترمذي : حسن صحيح
. وعن مرفوعا { أبي هريرة } رواه من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ابن ماجه والترمذي وقال : غريب وهو في الموطأ وللترمذي أيضا عن علي بن الحسين مرسلا وللترمذي عن محمد بن بشار وغير واحد عن محمد بن يزيد بن خنيس المكي سمعت سعيد بن حسان المخزومي حدثتني أم صالح عن عن صفية بنت شيبة مرفوعا . أم حبيبة
{ آدم عليه لا له إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر أو ذكر الله عز وجل } ورواه كل كلام ابن عن ابن ماجه ابن اليسار . أم صالح تفرد عنها سعيد وباقيه حسن قال الترمذي : غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن خنيس .
وفي الموطأ عن أن أسلم دخل على عمر وهو يجبذ لسانه فقال أبي بكر الصديق : مه غفر الله لك ، فقال عمر أبو بكر : إن هذا أوردني الموارد . وروى الترمذي عن أبو عبد الله بن أبي بلخ البغدادي صاحب عن أحمد [ ص: 36 ] بن حنبل علي بن حفص ثنا إبراهيم بن عبد الله بن حاطب عن عن عبد الله بن دينار مرفوعا { ابن عمر } رواه لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب ، وإن أبعد الناس من الله تعالى القلب القاسي الترمذي أيضا عن أبي بكر بن النضر عن أبيه عن إبراهيم بمعناه وقال غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم وإبراهيم لم أجد فيه كلاما وحديثه حسن إن شاء الله تعالى .
وروى الترمذي عن فضالة بن الفضل الكوفي عن عن أبي بكر بن عياش عن أبيه عن وهب بن منبه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ابن عباس } كفى بك إثما أن لا تزال مخاصما أبو وهب لا يعرف تفرد به عنه قال ابن عياش الترمذي : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه .
وفي الموطأ عن يحيى بن سعيد قال : إن عيسى ابن مريم عليه السلام لقي خنزيرا على الطريق فقال له : انفذ بسلام ، فقيل له أتقول هذا للخنزير ؟ فقال عيسى : إني أكره وأخاف أن أعود لساني النطق بالسوء .
عن ولمسلم مرفوعا { أبي هريرة آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويله } الحديث فهذا من آداب الكلام إذا كان في الحكاية عن الغير سوء واقتضى ذلك رجوع الضمير إلى المتكلم لم يأت الحاكي بالضمير عن نفسه صيانة لها عن صورة إضافة السوء إليها . إذا قرأ ابن
وفي رواية يا ويلي يجوز بفتح اللام وبكسرها ، ورأيت في بعض النسخ يا ويلتي وقال : قال ابن عبد البر لا خير في فضول الكلام . أبو هريرة
وقال من كثر كلامه كثر سقطه . عمر بن الخطاب
وقال يعقوب عليه السلام لبنيه يا بني إذا دخلتم على السلطان فأقلوا الكلام . وقالوا أحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره وما ظهر معناه في لفظه ، وقالوا العيي الناطق أعيا من العيي الساكت ، أوصى بخمس كلمات فقال : إياك والكلام فيما لا يعنيك في غير موضعه فرب متكلم فيما لا يعنيه في غير موضعه قد عنت ، ولا تمار سفيها ولا فقيها ، فإن الفقيه يغلبك والسفيه يؤذيك ، واذكر أخاك إذا غاب عنك بما تحب [ ص: 37 ] أن تذكر به ، ودع ما تحب أن يدعك منه ، واعمل عمل رجل يعلم أنه يجازى بالإحسان ويكافأ . ابن عباس
وقال بعض قضاة وقد عزله لم عزلتني ؟ فقال بلغني أن كلامك مع الخصمين أكثر من كلام الخصمين ، وتكلم عمر بن عبد العزيز ربيعة يوما فأكثر الكلام وأعجبته نفسه وإلى جنبه أعرابي فقال له : يا أعرابي ما تعدون البلاغة ؟ قال : قلة الكلام قال : فما تعدون السعي فيكم ؟ قال : ما كنت فيه منذ اليوم قال بعضهم .
عجبت لإدلال العيي بنفسه وصمت الذي قد كان بالقول أعلما وفي الصمت ستر للعيي وإنما
صحيفة لب المرء أن يتكلما
وقال الأحنف البلاغة الإيجاز في استحكام الحجة والوقوف عند ما يكتفى به .
وقال : لرجل كثير كلامه : إن البلاغة ليست بكثرة الكلام ، ولا بخفة اللسان ، ولا بكثرة الهذيان ، ولكنه إصابة المعنى والقصد إلى الحجة ، وسئل خالد بن صفوان ما البلاغة ؟ قال : " القصد إلى عين الحجة بقليل اللفظ " ، وقيل لبعض عبيد الله بن عبد الله بن عتبة اليونانية ما البلاغة ؟ قال : " تصحيح الأقسام ، واختيار الكلام " ، وقيل لرجل من الروم ما البلاغة ؟ فقال : " حسن الاقتصاد عند البديهة ، وإيضاح الدلالة ، والبصر بالحجة ، وانتهاز موضع الفرصة " ، وفي الخبر المأثور " الخير كله في ثلاث : السكوت ، والكلام ، والنظر ، فطوبى لمن كان سكوته فكرة ، وكلامه حكمة ، ونظره عبرة " .
وقال ابن القاسم : سمعت يقول : لا خير في كثرة الكلام واعتبر ذلك بالنساء والصبيان . أعمالهم أبدا يتكلمون ولا يصمتون . مالكا
وقال الشاعر :
وإن لسان المرء ما لم يكن له حصاة على عوراته لدليل
إنما العاقل من ألجم فاه بلجام
مت بداء الصمت خير لك من داء الكلام
وقاله آخر :
يموت الفتى من عثرة بلسانه وليس يموت المرء من عثرة الرجل
فعثرته من فيه ترمي برأسه وعثرته بالرجل تبرى على مهل
وذكر ما أنشده بعضهم : ابن عبد البر
سأرفض ما يخاف علي منه وأترك ما هويت لما خشيت
لسان المرء ينبئ عن حجاه وعي المرء يستره السكوت