الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى عمر بن الخطاب بعطاء فرده عمر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لم رددته فقال يا رسول الله أليس أخبرتنا أن خيرا لأحدنا أن لا يأخذ من أحد شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذلك عن المسألة فأما ما كان من غير مسألة فإنما هو رزق يرزقكه الله فقال عمر بن الخطاب أما والذي نفسي بيده لا أسأل أحدا شيئا ولا يأتيني شيء من غير مسألة إلا أخذته

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1882 1835 - ( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار ) مرسلا ، قال أبو عمر باتفاق الرواة : يتصل من وجوه عن عمر منها ما أخرجه قاسم بن أصبغ من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل إلى عمر بن الخطاب بعطاء ) ، بالمد أي بسبب العمالة ، كما في مسلم ، لا من الصدقة ، فليس العطاء المذكور من جهة الفقر ، وقد نقل عياض عن الطحاوي أن العطاء ما يفرقه الإمام بين الأغنياء والفقراء من غير مال الزكاة ، ( فرده عمر ) زهدا ، وعدم حرص على التكثير من المال وإيثارا للغير ، ففي الصحيحين عن عمر - رضي الله تعالى عنه - : كان - صلى الله عليه وسلم - يعطيني العطاء ، فأقول أعطه من هو أفقر إليه مني ، ( فقال له رسول الله - صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم - : لم رددته ؟ فقال : يا رسول الله ، أليس أخبرتنا أن خيرا ) أفضل ( لأحدنا أن لا يأخذ من أحد شيئا ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنما ذلك عن المسألة ) السؤال للناس ، ( فأما ما كان من غير مسألة فإنما هو رزق يرزقكه الله ) [ ص: 675 ] زاد في رواية الصحيحين : " فخذه فتموله أو تصدق به " ، أي اقبله ، وأدخله في ملكك ومالك .

                                                                                                          ( فقال عمر بن الخطاب : أما ) - بالفتح ، وخفة الميم - ( والذي نفسي بيده لا أسأل أحدا شيئا ، ولا يأتيني شيء من غير مسألة إلا أخذته ) اتباعا للأمر النبوي في الوجهين ، وفيه أن رد عطية الإمام ليس من الأدب ، ولا سيما منه - صلى الله عليه وسلم - لعموم قوله تعالى : ( وما آتاكم الرسول فخذوه ) ( سورة الحشر : الآية 7 ) ، وإنما ردها عمر للشبهة التي أزالها - صلى الله عليه وسلم - عنه ، قال ابن جرير : أجمعوا على أن الأخذ من النبي - صلى الله عليه وسلم - مستحب ، واختلف في إعطاء غيره دون مسألة ، والمعطى من يجوز إعطاؤه ، فقيل باستحبابه أيضا كان المعطي سلطانا أو غيره ، وهذا هو الراجح ، يعني بالشرطين المذكورين في قوله لعمر : إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مسرف ، ولا سائل فخذه ، وقيل : هو مخصوص بالسلطان ، ويؤيده حديث سمرة في السنن : " إلا أن تسأله ذا سلطان " ، قال : وقيل يستحب من غير السلطان لا منه فحرام ، وقيل : مكروه ، وكان بعضهم يقبل عطية السلطان ، وبعضهم يكره ، وهذا محمول على عطية السلطان الجائر ، والكراهة محمولة على الورع وهو المشهور من تصرف السلف ، قال الحافظ : والتحقيق في المسألة أن من علم حل ماله لا يرد عطيته ، أو حرمته فيحرم عطيته ، ومن شك فيها فالاحتياط رده ، وهو الورع ومن أباحه أخذ بالأصل ، قال ابن المنذر : احتج من رخص فيه بقول الله تعالى في اليهود : ( سماعون للكذب أكالون للسحت ) ( سورة المائدة : الآية 42 ) ، وقد رهن الشارع - صلى الله عليه وسلم - درعه عند يهودي مع علمه بذلك ، وكذلك أخذ الجزية ، مع العلم بأن أكثر أموالهم ثمن الخمر والخنزير والمعاملات الفاسدة .




                                                                                                          الخدمات العلمية